عكّا | اعتاد الفلسطينيون أن تغطّي وسائل الإعلام الإسرائيلية أخباراً تجيّر لمصلحتها، وتهدف إلى تلميع صورتها أمام الرأي العام العالمي. هذا ما رأيناه مثلاً في الخبر الذي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم الثلاثاء الماضي عن انضمام موناليزا عبده (19 عاماً) ــــ من فلسطينيي الداخل (حيفا) ـــ إلى الوحدات المقاتلة في قوات الاحتلال الإسرائيلي. لكن أن تنقل وسائل إعلام عربية هذه الأخبار بحيادية صمّاء، فهذا أمر يثير علامات الاستفهام. لا شك في أنّ الخبر أثار غضب كثيرين، وخصوصاً فلسطينيي الداخل. لكنّ المفاجئ هو تعامل وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية أيضاً معه. والحديث هنا عن وسائل إعلام يفترض أنّها مهنية، تتمتع بجمهورها صدقيتها. لكنّ هذه الوسائل أدخلت نفسها في ماكينة الإعلام الترويجي، معتمدة على الترجمة. من هذه الوسائل موقع فلسطيني نشر الخبر مترجماً كما هو بعد فترة قليلة من نشره في الصحيفة. وبعدما تداوله كثيرون عبر وسائل الإعلام الجديدة وورود الاتصالات الغاضبة إلى إدارة الموقع، أضاف الأخير فقرة اعتذار أرفقها بالخبر وأشارت إلى استياء فلسطينيي الداخل منه وإلى أنّ هذه الفتاة لا تمثلهم، هم الذين يمثّلون جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني.
والسؤال هنا: هل كان على الموقع انتظار اتصالات الغاضبين لإضافة هذه الفقرة؟ ولماذا جرى التعامل مع الخبر باستلاب كأنّ القصة وقعت في السويد مثلاً؟
إلا أنّ أكثر ما أغضب الناس هو تقرير بثته «إم. بي.سي» بعنوان «أول فتاة من عرب إسرائيل تنضم إلى الجيش الإسرائيلي». على الفور، أصدر فلسطينيون من فلسطين التاريخية والشتات عريضة إلكترونية تدين وتستنكر هذا التقرير الذي عدّوه إساءة وافتراءً من المحطة تجاه سمعة الفلسطينيين وتاريخهم النضالي. واعترضوا على تسمية «عرب إسرائيل»، مطالبين القناة بالاعتذار عن هذا الخطأ الذي عدّوه مقصوداً ولا يخدم إلا الاحتلال وسياسته القمعية. إضافة إلى عنوان التقرير المستفز، لم تتوقف الصحافيّة عن تكرار مصطلح «عرب إسرائيل» طوال التقرير. أما النقطة المستفزة الأخرى، فهي عندما قدّمت المذيعة للفتاة قائلة: «موناليزا ليست لوحة مبتسمة بل محارِبة من عرب إسرائيل». هل يُعقل أن تتعامل قناة عربية مع مسألة التجنيد في جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقدمة «استشراقية» لا تنمّ إلا عن جهل إذا افترضنا وجود النيات الطيبة لدى معدّة التقرير، وعن تواطؤ مع الاحتلال إذا ما افترضنا النيات الأخرى؟ ومنذ متى نصف جندي احتلال باسم «محارب»؟ ومنذ متى أصبحت الوظائف الحدودية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تقتصر فقط على منع المتسللين الأفارقة من دخول «إسرائيل» ومنع تهريب المخدرات؟ أضف إلى كلّ هذا أنّ رائحة الطائفية كانت تفوح من التقرير، حين قالت الصحافية: «هي حيفاوية مسيحية»! هل غاب عن «إم. بي. سي» دور الاحتلال في تقسيم الفلسطينيين إلى طوائف؟ فقط للتذكير، فإسرائيل تقسم الفلسطينيين في الداخل إلى: عربي، مسيحي ودرزي.
الأمر هنا أبعد من مجرد المخططات التي تعمل عليها المؤسسة الإسرائيلية في ما يتعلق بتجنيد الشباب الفلسطيني في جيش الاحتلال والتي تلاقي رفضاً جماهيرياً منذ سنوات. كان الأجدى بمن أراد نشر الخبر عن هذه الفتاة أن يقدم لمحة عن مواقف فلسطينيي الداخل من مسألة التجنيد. فالمسألة ليست فقط وصفاً فنّياً للوحة موناليزا المبتسمة، إنها قضية احتلال.