القاهرة | التصريحات التي أطلقها رئيس الرقابة المصرية السيد خطاب حول فيلم «الصمت» وإشادته بالشريط، فتحت جولةً جديدة في المعركة بين المخرجة المثيرة للجدل إيناس الدغيدي من جهة والتيار الإسلامي الصاعد بقوة في الشارع المصري من جهة أخرى. لم تناصر ايناس الدغيدي الثورة المصرية. كالعادة، وقفت مع الخائفين على مصير مصر بحجة الفوضى التي أتت بالتيار الإسلامي المتشدد إلى سدة الحكم. لكن صعود هذا التيار لم يحسر الأضواء عن الدغيدي. طوال الأشهر الماضية، كان طبيعياً أن يسأل الصحافيون صاحبة «لحم رخيص» عن موقفها من برلمان حيث أغلبيته ليست إسلامية فحسب، بل مكوّنة من شريحة كبيرة من التيار السلفي صاحب النظرة التكفيرية إلى الفن مقارنة بالإخوان. حتى أنّ فنانين كثراً بدأوا يغازلون الإخوان! من بين هؤلاء إلهام شاهين التي توقعت أن يكون الفن أكثر ازدهاراً في ظل البرلمان الذي تحكمه أغلبية إخوانية، ونقيب الممثلين أشرف عبد الغفور الذي زار أخيراً مرشد الجماعة محمد بديع (راجع الكادر).
لكنّ مخرجة «الباحثات عن الحرية» لم تفرّق كثيراً في تصريحاتها بين الإخوان والسلفيين. نفت إيناس الدغيدي سريعاً ما نسب إليها عن نيتها الهجرة من مصر لو حكمها الإسلاميون. وقالت إنّها لن تغادر بلدها مهما كانت الظروف. غير أن الطريف أنّ شائعة هجرتها رحّب بها آخرون لا ينتمون إلى الجماعة وأفكارها، لكون المخرجة تعاني أصلاً من صدامها المستمر مع المجتمع المحافظ، حتى لو كان هذا المجتمع ضد تشدد الإخوان.
لهذا جاءت تصريحات رئيس الرقابة على المصنفات الفنية السيد خطاب حول إجازة سيناريو فيلم «الصمت» لتفتح جولة جديدة من الصراع بين إيناس والإسلاميين. موافقة الرقابة على النص بعد تعديلات عدة تعني أنّ الدغيدي تستطيع الآن تصوير أول أفلامها في ظل الأغلبية البرلمانية الإسلامية، بينما سيطالب أنصار جماعة الإخوان والسلفيين باستخدام نفوذهم لمنع هذه النوعية من الأفلام. ولو استمرت الدغيدي في طرح أفلامها التي تناقش قضايا المرأة بجرأة ـــــ مهما كان مستواها الفني ـــ فما الفارق إذاً لدى الجمهور المحافظ بين عهد مبارك وما حدث بعد الثورة؟
في الوقت عينه، جاءت تصريحات خطاب لتؤكد أنّ النص لا يحوي أي «مشاهد جنسية ويناقش قضية زنا المحارم بأسلوب اجتماعي خال من الابتذال». وقال خطاب إنّ الشريط «من الأفلام المحترمة التي لا يمكن وصفها بالوجبة الجنسية كما ذكر البعض». وأكد كاتب السيناريو رفيق الصبان أنّه تم تنفيذ ملاحظات الرقابة التي كانت تدور حول رفض التعميم، والتركيز على أنّ الأب ـــ في حال زنا المحارم ــ يكون «مريضاً نفسياً وليس شخصاً سوياً يجوز اتخاذه نموذجاً». بالتالي نحن أمام فيلم اجتماعي يدور حول قضية شائكة لكن من دون مشاهد جنسية وبتوقيع ايناس الدغيدي... فهل سيمرر التيار الإسلامي الشريط ليؤكد أنّه لم يحرّم الفن حتى لو كان بتوقيع ايناس الدغيدي؟ تبقى الإجابة عن هذا السؤال معلّقة حتى تنجح الدغيدي في الوصول إلى مرحلة تصوير الشريط. لكن تلك المرحلة بحد ذاتها تواجه صعوبات عدة. هناك التردد في توفير التمويل لأنّ المنتجين والموزعين يخشون اليوم هذه النوعية من الأفلام بعد سيطرة الإسلاميين على البرلمان في مصر بعد الثورة. وهناك معضلة أخرى تتمثّل في قدرة الدغيدي على إقناع النجوم بالمشاركة في الفيلم وتحمّل الانتقادات التي ستطولهم لمجرد موافقتهم على العمل مع المخرجة المثيرة للجدل. ولدى الدغيدي ثلاث شخصيات رئيسية في الفيلم: الأولى هي الفتاة الضحية ورشحت روبي للدور، والثانية هي الطبيبة النفسية ورست الترشيحات على نيللي كريم ومنى ذكي، والثالثة هي الأب الذي لم يرشح اسم لتأديته حتى الآن. علماً أنّ الممثل الذي سيؤدي هذا الدور سيكون أول فنان يجسد شخصية أب يعتدي جنسياً على ابنته في السينما المصرية.
وتبدأ أحداث فيلم «الصمت» من قصة مريضة تحاول طبيبتها الكشف عن السبب الذي أدى إلى محاولة انتحارها، فتكتشف اعتداء أبيها عليها وأموراً أخرى كثيرة يصمت عنها المجتمع المحافظ ويدفن رأسه في الرمال خوفاً من «الفضيحة»! وعلى اعتبار أن تصريح الرقابة يشكّل الخطوة الأهم نحو دوران العجلة في أي فيلم مصري، بدأت الدغيدي أخيراً بوضع مخطط الشريط. لكن التوقعات تشير إلى أن التصوير لن يبدأ قبل أسابيع عدة انتظاراً للتطورات السياسية التي ستشهدها مصر في هذا الشهر.



«بلاش قلّة أخلاق» يا جماعة!

في سابقة هي الأولى من نوعها، استقبل المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمين» محمد بديع نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور من أجل تأكيد دعم الجماعة للفن المصري، وتكذيب كل ما نشر عن نيتها تحريم التمثيل لكن «مع ضرورة الالتزام بالإنتاج الذي يُعلي قيم المجتمع وأخلاقه». وتُعدّ هذه أول زيارة يقوم بها فنان مصري لمقرّ «الإخوان المسلمين».