خسرت الحركة التشكيلية السورية أخيراً واحداً من أبرز أسمائها، إذ غيّب الموت عيسى بعجانو، الذي اتخذ لنفسه منذ بداياته الفنية لقب «هيشون»، استلهاماً من عوالم قريته التي تقع في ريف مدينة اللاذقية. الاسم الآتي من الأساطير القديمة سيطبع تجربة هذا الفنان، لتتوغل لوحاته في الجذور التاريخية السورية التي تمتد عبر 8000 سنة قبل الميلاد. شاهدنا له، لوحات تجريدية حديثة مستمدة من الرسوم والأفكار الأوغاريتية، وأخرى تحاول أن توظف الأسطورة عبر عرض حضارة بلاد ما بين الرافدين، لتصوير ملمح معاصر وإدخاله عنصراً رئيسياً في اللوحة. الأسطورة عند هيشون ذريعة ذكية لخلق الحوادث والأفكار داخل العمل الفني. سيتجسد في لوحاته، الخير والشر، الجمال والحرية عبر تداعيات لونية غير مخطط لها.
إلا أنّ خصوصية هذا الفنان في المشهد التشكيلي السوري جاءت حين قدّم مجموعة رسوم اتخذ من خلالها الحيوان عنصراً حركياً يخلق مناخاً من الحوار اللوني داخل اللوحة. حيوانات تتمايز عن أشكالها المألوفة لتصبح مع الأجسام التي يصنعها لها هيشون، غرائبية وافتراضية، تفضح عالماً مليئاً بالوحشة والكآبة. هذا الفنان جمع مرّة ملصقات اللوحات الإعلانية وأوراق النعوة المنتشرة على جدران مدينته، مُدخلاً إياها في لوحاته ليقيم معرض «حكاية جدار اللاذقية»، معبراً بذلك عن واقع مدينته بواسطة الأوراق التي تلصق على الجدران. رحل هيشون عن عمر ناهز الثامنة والخمسين بعد معاناة مع مرض عضال، تاركاً وراءه مجموعة كبيرة من الأطفال الصغار، الذين كانوا يترددون على محترفه، ليتعلّموا أصول الرسم والإبداع.
كتب هيشون الشعر والنقد والقصة القصيرة، لكن الرسم بقي لوثته الإبداعية الأقرب إلى نفسه. فلا نشعر ونحن نقرأ قصصه، سوى بأننا أمام لوحات فنية تتخذ الكتابة ملعباً لها. نصوص تهتم ببنية الشكل، وتعتمد العين أداة لرصد الأحداث وتسجيل تفاصيلها. أما قصائده التي نشر بعض منها في الأعداد الأولى في مجلة «الناقد» اللبنانية، فتعدّ تجسيداً دقيقاً لخلفيته الروحية والنفسية، التي ستبرز لاحقاً في لوحاته المتعددة.
وفي مجال النقد والبحث التشكيلي، نشر هيشون كتاباً عن ملحمة جلجامش (البنية المكانية والفكرية)، إضافة إلى دراسة عن ذاكرة الشكل، حاول من خلالها البحث في بنية الشكل واكتشاف القيم الدلالية والذاكرية التي ينضح بها.