لم تشكّل استقالة مدير عام قناة «المنار» عبدالله قصير أي مفاجأة، فتلك الخطوة كانت متوقعة بين ليلة وضحاها، ووحده التوقيت كان مجهولاً. إذاً، حَسم قصير أمره قبل أسبوع، فقرّر ترك مركزه الذي شغله في ربيع عام 2005 لأسباب رفض القائمون على المحطة الكشف عنها. إلا أنّه يمكن بسهولة الربط بين قرار قصير والاعتذار الذي قدّمته «المجموعة اللبنانية للإعلام» (قناة «المنار» وإذاعة «النور») إلى «هيئة شؤون الإعلام في البحرين» بخصوص «تغطيتها لأخبار البلاد في الفترة السابقة» وما تلاها من ضجة واستهجان في صفوف جمهور المقاومة (الأخبار 9/12/2013).
وجاء هذا الاعتذار خلال انعقاد الجمعية العمومية للمجلس التنفيذي التسعين لـ«اتحاد إذاعات الدول العربية» في تونس، وحضره قصير ورئيس اذاعة «النور» يوسف الزين و مدير العلاقات العامة في «المنار» إبراهيم فرحات في بداية الشهر الحالي. ونتيجة لهذا الاعتذار، سحبت مملكة البحرين طلبها تجميد عضوية قناة «المنار» و«إذاعة النور» في «اتحاد إذاعات الدول العربية». وكانت المملكة قد قدّمت ملفاً كاملاً عن التغطية الإعلامية لـ «المنار» للثورة البحرينية، فاعتذرت القناة عن بعض التجاوزات المهنية التي ارتكبتها في التغطية، فإذا بالاعتذار ينتشر في الإعلام العربي على أنّه اعتذار عن كامل التغطية للانتفاضة البحرينية. وقد ترافق ذلك مع ضغوط سعودية كبيرة هدفت إلى حجب «المنار» عن «عرب سات» و «نايل سات».
يرى البعض أنّ هذا الاعتذار كلّف قصير غالياً، بينما يصف أحد المقرّبين من النائب السابق خطوته الأخيرة بأنها جاءت «فداءً لـ«المنار» بعد الحرب الإعلامية الذي تعرّضت لها أخيراً»، معتبراً أنّ «قصير واجه هجمة شخصية عليه وتمت أبلسته، فوجد في الاستقالة قراراً يخلّص قناة المقاومة من متاهات الاعتذار التي لم تنته تأويلاتها حتى اليوم». تسلم قصير مركزه في «المنار» خلال مرحلة صعبة ودقيقة في مسيرة «حزب الله». فقد واكب النائب السابق الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز (يوليو) 2006، وتحديداً يوم قصف العدو مبنى القناة السابق في منطقة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، لكنها استمرت في التغطية بالنبض نفسه على مدى الأيام الـ33، وما بعد الحرب. يومها، لعبت المحطة دوراً قوياً خلال العدوان بوصف الحرب مع العدو إعلامية قبل أن تكون عسكرية.
قصير كان قد طلب اجتماعا عاجلا مع الجهة الحزبية المسؤولة عنه (المجلس التنفيذي الذي يترأسه السيد هاشم صفي الدين) وقدم عرضا لما حصل في الاجتماع وانه هو من يتحمل مسؤولية الخطوة وانه اراد من خلالها تعطيل محاولة طرد «المنار» من عضوية الاتحاد وحرمانها من البث الفضائي عبر القمرين «عرب سات» و «نايل سات». وشدد انه لم يعد يجد ممكنا استمراره في موقعه. وبعد مداولات شملت اعضاء شورى القرار (اعلى هيئة قيادية في حزب الله) تقرر قبول الاستقالة، والطلب الى السيد صفي الدين التقدم باقتراح ترشيحات الى هيئة الشورى باعتبارها الهيئة التي يصدر عنها قرار تعيين مدير «المنار».
ونفت مصادر مطلعة ان يكون قصير قد قرر ترك لبنان، وقالت ان سفره الى ايران كان مقررا في وقت سابق، لحضور دورة إدارية كانت مقرّرة قبل ثلاثة أشهر في طهران، على أن يعود بعدها لتصريف الأعمال في القناة لغاية اتخاذ القرار بالاسم الجديد الذي سيخلفه.
في هذا الوقت، يصعب الحصول على معلومات مؤكّدة من داخل المحطة عن الأسماء المرشحة لتولّي منصب المدير العام، وما زال مبكراً صدور بيان رسمي عن تعيين البديل. مع ذلك، ثمّة من يتوقّع أن يشكّل الاسم الجديد مفاجأة، إذ سيكون من خارج الأسماء المتداولة في كواليس المحطة، لكنّه بالطبع من الأشخاص المعروفين في الحزب. وتشير التوقّعات إلى أن ثمّة أسماءً معينة مطروحة بقوّة لخلافة قصير تولّت مواقع إدارية حالية وسابقة في قناة المقاومة والتحرير.
اولى الاسماء، تكليف النائب حسن فضل الله الذي يتولى حاليا الاشراف السياسي على مديرية الاخبار الملف باكمله، بينما يرشح النائب السابق محمد حيدر الذي سبق ان تولى في العام 2005 المنصب لفترة قصيرة، وذلك باعتباره يمثل نقطة تقاطع على مستوى المواقع القيادية كافة في الحزب. علما ان الاخير يدعم ترشيح مدير العلاقات العامة الحالي في القناة إبراهيم فرحات. الذي قد يكون «أحد أنسب الأشخاص لخلافة قصير، لأنه يُدرك ملفات القناة بتفاصيلها وعايش أصعب ظروفها، ويعدّ من الناجحين في ما كلّف به من مهام حتى اليوم، كما أنّه يتمتّع بدبلوماسية وحكمة وبُعد نظر في معالجة الأمور». كما يجري التداول باسم الشيخ علي ضاهر الذي كان من اوائل المشرفين على القناة في مرحلة ما قبل وصول السيد حسن نصرالله الى منصب الامين العام، وهو يشغل حاليا مسؤول وحدة الانشطة الفنية في الحزب.
لن تجد إجابة واضحة في المحطة عن المواصفات التي يفترض أن يتمتّع بها المدير العام المستقبلي، بل كلاماً عن «كفاءة مطلوبة لاتحاذ القرارات النهائية ضمن السياسة العامة والاستراتيجية الموضوعة في القناة».


يمكنكم متابعة زكية ديراني عبر تويتر | @zakiaDirani