الدار البيضاء | احتاج الأمر إلى أقل من 48 ساعة من الضغط لتليين مواقف مولاي حفيظ العلمي (الصورة) وزير «الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي» المغربي، تجاه قرار «المدوّنة الرقمية»، الذي كانت الحكومة تعتزم عرضه على البرلمان للتصويت عليه، قبل أن تتراجع بسبب الضغوط. مشروع القانون الذي اقترحته الحكومة عبر الوزارة المذكورة، تضمّن نصوصاً تضيّق على الحريّات، وتحاول الإجهاز عليها على الشبكة العنكبوتية، ما يفتح الباب أمام إمكانية الانتقام من مرتادي الفضاء «المشاغبين».
منذ ظهور نص مشروع «المدوّنة الرقمية»، أعلن الناشطون المغاربة تمرّدهم، ورفضهم القاطع لأي رقابة على أنشطتهم على الإنترنت. كثّف هؤلاء من تعليقاتهم وانتقاداتهم لنصوص المدوّنة، كما أطلق المعارضون حملة «المدوّنة الإلكترونية لن تمرّ» (على غرار برافر لن يمر في فلسطين)، التي ما زالت مستمرّة رغم إعلان سحب مشروع المدونة بشكله الحالي. وأنشأ عدد من النشطاء صفحات «عصيان إلكتروني» ضدّ المشروع الجديد، الذي يرمي في رأيهم إلى التعدّي على الخصوصية. الصفحات التي أنشئت عديدة، أبرزها «عصيان مدني»، تشير إلى معارضتهم وضع قانون العالم الافتراضي قيد التنفيذ.
أمام «الضغط الإلكتروني» الذي تعرّضت له، اضطرت الحكومة ومعها مولاي حفيظ العلمي، الإثنين الماضي، إلى إعلان نيّتهما مراجعة بنود المدوّنة، مؤكدين أنّها ما زالت «قيد الدراسة». رغم تصريحات العلمي التي ترمي إلى طمأنة الجمهور، إلا أنّه يبدو أنّ المدوّنين عازمون على الضغط أكثر من أجل إسقاط جميع المواد التي قد تضيّق على حريّتهم. فقد منح القرار صلاحيات واسعة للسلطات الأمنية في اختراق الحياة الشخصية لمستخدمي الشبكة العنكبوتية، وخصوصاً حين أعطى لضباط الشرطة الحق في استعمال بطاقات هوية مزيّفة لتتبّع حساباتهم. إن كانت التبريرات التي تعطيها الدولة تتعلّق بمحاولة «ضبط العناصر الإجرامية» في الفضاء الافتراضي، فإنّ المدوّنين يرون أنّها قد تستعمل في أيّ لحظة ضدّهم، كما رأى الصحافيون أن تمرير المدوّنة سيضعهم «أمام خطر داهم». فالمادة 73 من مشروع القانون تمنع نشر «المحتويات المسيئة التي تظهر صراحة وضمنياً، ومشاهد عنيفة أو مخالفة للأخلاق وللنظام، أو عناصر يمكن أن تشجّع على التعسّف أو يمكن أن تتعارض مع الدين الإسلامي أو المعتقدات السياسية». سناء العاجي، الناطقة الإعلامية باسم الوزير مولاي حفيظ العلمي أكّدت لـ «الأخبار» أنّ إعداد قانون «المدوّنة الرقمية» انطلق «منذ 2010، والنسخة المطروحة الآن لدى «الأمانة العامة للحكومة» قُدّمت في حزيران (يونيو) 2012». الوزير الذي تورّط على ما يبدو، في مشروع قانون أنجز قبل دخوله إلى الحكومة بعد التعديل الوزاري الأخير، اضطر إلى الإعلان أن وزارته ستُراجع مواده المثيرة للجدل قبل الحسم في النص النهائي المحال على «الأمانة العامة». البعض يرى في كلام الوزير خطوة لتهدئة مستعملي الفضاء الرقمي، وخصوصاً المدوّنين الذين لم يستسيغوا اللغة الحادّة التي تستند إلى مصطلحات مثل التجسّس والرقابة. في المقابل، أكد مسؤولون في الوزارة عبر تويتر أنّ مشروع القانون مفتوح أمام الجميع، وأنّ «حواراً وطنياً سيفتح في الموضوع».