افتتح «يوميات شهرزاد» لزينة دكاش عروضه في «قصر الأونيسكو» أول من أمس في بيروت كعرض افتتاح بالاشتراك مع مجموعة من المشاركات في الفيلم أي السجينات اللواتي أطلِق سراحهن أخيراً، وقد ناقشن تجربتهنّ بعد العرض مع الجمهور. سيعرض الشريط الوثائقي قريباً في الصالات السينمائية اللبنانيّة بعدما فاز الأسبوع الماضي بـ«جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما للأفلام الوثائقية» وبشهادة تقدير ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقية في الدورة العاشرة من «مهرجان دبي السينمائي الدولي». يطال الوثائقي وضع السجينات الحقوقي والاجتماعي والنفسي من خلال الغوص معهنّ في جلسات العلاج النفسي بالدراما ومقابلات معهنّ ومشاهد من مسرحية «شهرزاد ببعبدا» (الأخبار 26/4/2012) التي حكينَ فيها معاناتهن للجمهور، وكان ذلك داخل أسوار سجن بعبدا للنساء وهي التجربة المسرحية العلاجية والسينمائية الثانية بتوقيع المعالِجة والمخرجة زينة دكّاش.
يتناول الفيلم جرم السجينات من منظور آخر. يلقي الضوء على جرم المجتمع الذكوري في تعنيف المرأة معنوياً وجسدياً وجنسياً منذ طفولتها، مما يولّد عنفاً مقابلاً كردة فعل تجاه النفس (دعارة، مخدرات) أو تجاه الزوج المعنِّف (قتل الزوج) أو في البحث عن حبٍّ آخر وهو «جرم الزنى» الذي ما زال القانون اللبناني يعاقب فيه المرأة دون الرجل. تنتقي دكّاش كمخرجة بعضاً من مئات القصص ذات الماضي الدفين لتظهر بمعظمها مدى تأثير تاريخ العنف بشكل عام، والعنف الأسري بشكل خاص، على المرأة في ارتكاب الجرم (خاصّة جرم قتل الزوج).
في أجواء يسودها الهرج والمرج في سجن لم يُهندَس على أن يكون سجناً بل عبارة عن غرف صغيرة تغص بمعاناة نساء تكوّمن فوق بعضهن، يفتَح الباب أمامهنّ للعلاج النفسي بالدراما، كاشفاً لنا أنّ للجرم وجهين متصارعين: فعل الجرم وواقع هذا الجرم. ويتّضح أن القانون يعاقب مَن فعَل الجرم، إلا أنّه عاجز عن معاقبة أو ــ على الأقل ــ تغيير واقع منظومة المجتمع الذكوري الذي دفع إلى الجرم. هذه المعضلة تؤدي الى صراع في نفس كل سجينة على أنها «المجرمة» والضحية معاً.
يلفت الوثائقي أيضاً الى الجرم الذي يقوم به القانون تجاه المتهمين بشكل عام، فأغلبية السجينات موقوفات لا محكومات، ما يطرح معضلة القانون اللبناني بأنّ «المتهم مذنب حتّى إثبات براءته». شاهدنا ضحية هذا القانون السجينة عفاف التي أوقفت أربع سنوات في السجن الى أن أثبتت براءتها أخيراً بعد نهاية تصوير الوثائقي.
بالنسبة إلى الفروقات بين العمل العلاجي مع السجينات والعمل العلاجي مع السجناء، تقول زينة دكاش لنا إنّ العنف الأسري كان الطرح الأهم في العمل مع السجينات لأنه لطالما كان الموضوع السائد والدافع الأساسي في ارتكاب الكثير من الجرائم، وبينها جريمة قتل الزوج. أما العمل مع سجناء رومية، فقد تمحور حول الأمور الآنية المتعلقة بالسجن وكيفية التعامل معها. في ما يتعلق بتأثير العلاج بالدراما على السجينات، فقد اعتبرت السجينات المفرج عنهنّ في نقاش أول من أمس أنّ العلاج بالدراما منحهنّ القوة ليجدن أنفسهنّ في المجتمع، إذ تقول إحداهن «صرت أفكّر إذا كنت سأتقبّل المجتمع بدلاً من أن أفكّر إذا كان المجتمع سيتقبّلني». من وجهة نظر دكاش، فـ«السجينة بعد العلاج بالدراما بدأت تضطلع بمسؤولياتها تجاه نفسها وتدرك قوتها من داخلها لتستمر في مستقبل أفضل وفي تعاملها مع واقع السجن على نحو أكثر إيجابية. والأهم أنّها كأم تستطيع أن تسهم في بناء مجتمع أقل ذكورية». بحسب دكاش، كان العرض المسرحي بالنسبة الى بعض السجينات ووقوفهنّ أمام الجمهور الإنجاز الأول في حياتهنّ في إطار اختبار المشاعر وممارسة انضباط ما والإحساس بأنوثتهنّ. وأشارت إلى أنّ بعض السجينات الممثلات اللواتي أفرج عنهنّ بعد عرض المسرحية، تلقّيْنَ فرص عمل من بعض المتفرّجين من الجمهور، وكان ذلك بمثابة مساهمة كبيرة في بدء حياة جديدة بعد السجن «وذلك يعني أنهن بنيْنَ ثقة كبيرة مع العالم الخارجي ومع أنفسهنَّ.» وتكمل أنه من نتائج العلاج على نحو خارجي، فإنّ السجن شهد علاقة أفضل بين السجينات وإدارة السجن كما ساهمت المسرحية في نشر الوعي حول وضع السجون والسجينات لدى الجمهور.
بحسب دكّاش، فإن متابعة العلاج في السجون لم تتوقف بعد الانتهاء من العروض المسرحية، وأنّ بعض مَن أطلق سراحهنّ يعملن كممثلات أو مشاركات في العروض تحت جناح جمعية «كاثارسيس» التي تديرها دكّاش وتعنى بالعلاج النفسي من خلال الدراما.
يطلق وثائقي «يوميات شهرزاد» صرخة إنسانية في وجه المجتمع والقانون، على أمل أن يؤدي دوراً في التغيير من خلال نشر الوعي الاجتماعي، وإقرار قانون يحمي المرأة من العنف الأسري وتعديل القوانين المتعلقة بسجن الموقوف حتى إشعار آخر، مثلما أدّى عرض مسرحية دكاش السابقة «12 لبناني غاضب» في سجن رومية (عام 2009) الى إقرار قانون 463 الذي يُعنى بخفض مدة الحكم في حال حسن سلوك السجين.