القاهرة | هل تسمح المهنية بأن تضع قناة على شاشتها طوال الوقت عبارة «نعم للدستور» قبل شهر كامل من توجه المصريين إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء عليه؟ سؤال يبدو أن القائمين على قناة «القاهرة والناس» لم يتوقفوا عنده قبل تبني العبارة. ويبدو أنّ المسألة مرشحة للتكرار في باقي القنوات المصرية الخاصة، وربما الحكومية كلما اقترب موعد الاستحقاق الوطني الجديد. علماً أنّ الرئيس المؤقت عدلي منصور أعلن يومي 14 و15 كانون الثاني (يناير) موعداً للتصويت على مسوّدة الدستور الجديد إما بـ«نعم» أو بـ«لا».
هذه الـ «لا» لا تبدو خياراً مطروحاً أمام الاعلام المصري بعد «ثورة 30 يونيو»، لأنّ قنوات المحروسة تكرر حالياً الأخطاء نفسها التي وقعت فيها القنوات الموالية لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي قبل إغلاقها مساء 3 تموز (يوليو) الماضي. أخطاء قاتلة ارتكبتها تلك الشاشات خلال مرحلة الحشد للتصويت بـ«نعم» على دستور 2012 الذي ثار حوله لغط كبير، واعتبره المشاركون يومها «أفضل دستور عرفته البشرية»، بينما دفع السلفيون والإخوان المسلمون أنصارهم للتصويت بـ«نعم» حتى «يدخلوا الجنة». هذه المرة، الإخوان يعلنون المقاطعة، لكن السلفيين موجودون بقوة ويحشدون للتصويت بـ«نعم». والجميع يعلم أنّ النتيجة ستكون «نعم»، رغبة من المصريين في الاستقرار المنشود منذ خلع حسني مبارك. لكن الفضائيات المصرية ما زالت تظن أنّ فتح الباب أمام الرأي الآخر يهدد الأمن القومي. هكذا، لا صوت يعلو فوق «نعم للدستور». استباق «القاهرة والناس» الأحداث والحشد باتجاه التصويت بـ«نعم» قبل الانتهاء من كتابة المسودة، لم يأت من فراغ. مالك القناة، رجل الإعلانات الأبرز في مصر طارق نور، هو مصمم حملة «نعم للدستور» التي انتشرت لافتاتها باكراً في شوارع المدن المصرية الكبرى قبل أسابيع من إنهاء «لجنة الخمسين» عملها. الحملة لم تواجه معارضة الإخوان فحسب، بل إنّ هناك تيارات ثورية ربطت بين الحملة والأسلوب الذي اتبعه أنصار مرسي في دستور 2012. يتوجه الإعلان إلى الجمهور بالقول: «مشاركتك في الدستور تعني «نعم» لثورة يناير ولثورة يونيو». هكذا، يكون على كل من شارك في الثورتين أن يقول «نعم» من دون أن يقرأ الدستور حتى. دستور تصفه الحملة بأنّه «لن يكون أعظم دستور ولا آخر دستور»، قبل أن تنهي بعبارة: «خليهم يعرفوا شعبنا، خليهم يعرفوا حجمنا». والمعنى هنا واضح، فالهدف الأساسي ليس القول بأنّ الأغلبية ستصوّت بـ«نعم»، بل أن تزحف الملايين إلى صناديق الاقتراع. إذاً، هذه هي المعركة التي دفعت القنوات المصرية إلى عرض مواد الدستور، وأغنيات تشجع على النزول إلى الأرض والمشاركة، لكن من دون اللجوء إلى أي مناظرات على الشاشة. كما أنّ المحطات المصرية لم تفسح المجال حتى الساعة للأصوات الرافضة. صحيح أنّ الجدل قد يزيد نسبة المشاركة في الحدث المرتقب الشهر المقبل، لكن قطار الفضائيات في «أم الدنيا» يسير في اتجاه واحد، فلا مجال لرأي آخر!


يمكنكم متابعة محمد عبدالرحمن عبر تويتر | @MhmdAbdelRahman