دمشق | بعد «هالأسمر اللون» (2006) و«شامات» (2007)، انتظرت لينا شماميان ستّ سنوات لإطلاق ألبومها الثالث «غزل البنات». صحيح أنّها سجّلت ألبوم «رسائل» عام 2009، إلا أنّها ارتأت تأجيل إطلاقه «لأنّني شعرت بأنّي أريد أن أترجم بصوتي ما أمرّ به في هذه المرحلة. لم يلغَ الألبوم، لكنّني أجّلته بما أنّه يحوي الكثير من أغاني الدبكة والأعراس، وأنا أؤدي بعض أغنياته على المسرح. وقد وجدتُ أنّ ما أحتاج إليه حالياً هو تقديم أغنيات ألبومي الخاصّ الجديد». استوحت المغنية السورية اسم «غزل البنات» من «الحياكة والغَزل، ومن الغَزَل والشغف، ومن أحلام طفولتنا بحلوى من القطن الملوّن»، كما أنّ الأغنية التي أعطت الألبوم عنوانه، كتبتها ولحنتها شماميان. هكذا، تقدّم لينا نفسها في الألبوم الجديد كشاعرة ومؤلفة وموّزعة، إلى جانب كونها مغنية. تقول: «كتبت ثلاث أغنيات، وهناك «يا هلي» التي كتبها عدنان العودة، و«حنة وزهر» لتماضر الموح، و«أوّل مسافر» و«آخر العنقود» لماهر صبرا، إضافة إلى «الأم القديسة» من ترانيم «الجمعة الحزينة» حسب الطقس الأرمني من العصور الوسطى». يضم «غزل البنات» 53 دقيقة من الموسيقى والغناء، تتوزع على 12 أغنية، لحنّت ووزعت شماميان معظمها. وأعربت عن سعادتها بالتعاون مع الموسيقي التركي غوكسيل باكتاغير عبر تلحين وتوزيع أغنيتي «أول مسافر» و«آخر العنقود»، لافتة إلى أنّ «يا هلي» موزّعة بطريقتين، كما أنّ موسيقى «منفى» عبارة عن ترتيل غريغوري أعاد توزيعه الألماني هيوغو سيغمت، وتغنيّها من دون كلمات.

أمّا على مستوى الأنماط الموسيقية الجديدة التي تقدّمها، فأوضحت شماميان أنّ ما تقدّمه في الألبوم «لا يندرج تحت مسمّى واحد. صحيح أنّ النمط مختلف هذه المرة لأنّ الألبوم ليس إعادة توزيع لموسيقى تقليدية كما حدث في سابقَيه. الموسيقى الشرقية هي الأساس، وهناك لون غربي في التوزيع والآلات المستخدمة، وتبدو الروح التقليدية حاضرة دوماً في الإيقاعات». وتضيف: «الجديد هو المساحة المعطاة للصوت البشري لكوني المؤلفة، وعلى دراية بمساحة صوتي. هناك تحدٍّ جميل استمتعت به وهو تحويل الموسيقى (الآلية) لباكتاغير إلى موسيقى غنائية، وربما المميز هو التضاد الذي يظهر جلياً في «يا هلي» (توزيع شرقي ــ غربي) وفي «منفى»».
وبالعودة إلى موضوعات الأغنيات، تقول شماميان إنّ «لكل أغنية قصتها التي أفردت لها مساحة خاصة على غلاف الألبوم، لكن يجمعها كلها همّ الإنسان والوطن»، مضيفةً أنّ كل أغنية «تحكي قصة عن لحظة عشتها منذ٢٠١١. كلّها تتمحور حول سوريا، بما فيها أغنية الحبّ الوحيدة «غير شي». تأليفها ساعدني على استيعاب الفقدان الذي مررت به منذ رحيلي عن سوريا في هذه المرحلة». المغنية المقيمة في باريس منذ تموز (يوليو) 2012 بسبب الأزمة، نشرت أخيراً أغنيتها «شهرزاد» مع مقتطفات من ألبومها الجديد عبر قناتها الخاصة على يوتيوب، مرفقة بهذا التعليق: «لطالما سحرتني شهرزاد المرأة الذكية الفاتنة التي عرفت كيف تنقذ نساء قومها من موت تحدّته بحكمتها من دون أن تفقد رقتها وأنوثتها... إلى أمي سوريا التي أهدتني حياة كاملة، وأهديها لبنات البلد وكل الحالمات بعالم أفضل».
سُجّل «غزل البنات» بين باريس وإسطنبول، وأنتجته شماميان على «نحو مستقل» ولكم «أن تتخيلوا معنى الإنتاج المستقل غير المسيّس خلال هذه المرحلة، وفي عاصمة أوروبية كباريس، حيث لم يمضِ على وجودي فيها سنتان. هنا تتكلّم الموهبة فقط في منافسة العديد من المواهب الممتازة من كل أنحاء العالم، وعليك أن تكون ذكياً، مميزاً، ومرناً كي تتعلم كيفية محاكاة السوق الأوروبية من دون فقدانك التواصل مع المنطقة العربية». وتضيف أنّ «هناك مشكلة حقيقية في الإنتاج. ارتأيتُ مع فريق العمل الذي يتألّف من أصدقاء حقيقيين، أنّ إنتاج الألبوم على نحو مستقل سيتيح لي حريةً في التعبير، وقول ما أريد بالطريقة التي أريدها. في الدول الغربية، هناك طرق عديدة لتمويل المشاريع المستقلة، أهمها التمويل من الجمهور، لكننا بحاجة إلى حملات توعية بمساعدة المراكز الثقافية لنتمكن من شرح هذه الطرق وكسر القنوات التقليدية التي لم تعد بمعظمها موجودة اليوم».
تختم شماميان حديثها معنا، مؤكدة أنّه «اليوم، يمكن للمستمعين دوماً دعم الإنتاجات والفنانين المستقلين، عبر حرصهم على الاستماع والمشاركة عبر قنواتهم الرسمية على الانترنت، مما سيؤمن دعم المواقع الالكترونية الكبير لهؤلاء الفنانين، ويحدث فرقاً في المهرجانات حول العالم»، مشددةً على أنّ «هذا سيعود على الفنان بالاستمرارية، إذ يشارك محبوه في الإنتاج من دون أن يترتب عليهم أي عبء مادي إضافي».

http://www.youtube.com/channel/UCnTVlo-jxzsE1LhzEOcUwIg




أوروبا والموسيقى

تقرّ لينا شماميان بأنّ الموسيقى أسهمت في اكتشافها زوايا جديدة في نفسها، ووضعتها أمام خوفها وساعدتها على مواجهته وتجاوزه، كما أجبرتها على الأمل حتى في أشد لحظات الغربة والوحدة. «غزل البنات» ساعدها على «تجاوز الوصاية التي كنت أعيشها سابقاً. الموسيقى هي دوماً مرآة لما نعيشه على الصعيد الشخصي، وعلّمتني أوروبا أن أكون أكثر استقلالية وأقل اتكالاً. هنا لا دلال كما في حضن الوطن، ما انعكس على هويتي الموسيقية». وأوضحت أنّ الموسيقى «ذكرتني بأنّ الحلّ لا يكمن في العنف، فمعها أشعر بأننا ما زلنا بشراً وما زلنا قادرين على البقاء بشر أفعال بدلاً من أن نكون بشر ردود فعل، وهو ما ذكرته في أغنية «شهرزاد»».