دمشق | لكن، ماذا يفعل المسلحون في مخازن الكتب؟ ربما حوّلها بعضهم إلى مستودعات للأسلحة، أو وقوداً للتدفئة، كما علينا أن نتخيّل قذيفة ثقيلة ترقد فوق مئات النسخ من كتاب «حيونة الإنسان» لممدوح عدوان، من دون أن يعلم المسلحون أنّ الشاعر السوري الراحل قد خصص فصولاً كاملة عن هؤلاء البرابرة. على الضفة الأخرى، كان صيارفة الورق يحصون أرباحهم المهولة بسبب احتكارهم بضاعة كانت متاحة بأسعار أقل، وإذا بالناشر السوري يعيش حصاراً مزدوجاً: ارتفاع كلفة الكتاب وصعوبة التوزيع، بالإضافة إلى الحرب المعلنة ضد دور النشر في معظم معارض الكتب العربية بذرائع سياسية باطلة، وهو ما قاد بعض الناشرين إلى الهجرة إلى بلدان عربية أخرى للتخلّص من أعباء «اللوغو السوري» من طريق دمغة بيروت أو القاهرة.
دور قليلة صمدت في مواجهة العاصفة، وأخرى أغلقت أبوابها، واتجهت إلى مهنٍ أخرى. هناك أيضاً صعوبة الشحن، بعد إغلاق المنافذ المحلية، فكان على الناشر السوري أن يشحن كتبه إلى بيروت أولاً، ثم إلى البلدان الأخرى وغامر آخرون بالعمل في بيروت والقاهرة وحتى الجزائر في منافسة غير متكافئة. لكن هذا الحصار لا يعني الاستسلام التام، فقد استمر ما تبقى من ناشرين، في إصدار عناوين جديدة، وإن لم يكن في الزخم القديم نفسه، فيما اكتفى آخرون مثل «دار قدمس» بالنشر الإلكتروني. عاد الناشرون المغامرون من معارض تونس وليبيا والجزائر خائبين ووجدوا ـــ كما العادة ـــ ضالّتهم في معرض الشارقة، وأربيل مجدّداً، كأن الكرد وحدهم من ينقذ كتاب الضاد من الاحتضار. يذهب بعض الناشرين السوريين إلى معرض الكتاب في بيروت بوصفه محطة ترانزيت ومكاناً للقاء أصحاب مكتبات عربية، يأتون من الرياض وبغداد والكويت. هذا ما يقوله سامي أحمد صاحب «دار التكوين» الذي لا يأمل كثيراً من هذا المعرض الذي دأب على المشاركة فيه، منذ دوراته الأولى. سوف يشحن ما تبقى من نسخ، لا تتجاوز المئة من كل عنوان، إلى معرضي القاهرة وأبو ظبي، في رحلة عبثية، لبيع ألف نسخة، لعموم قراء الخريطة العربية، كأن الربيع العربي، خريف طويل للكتاب، بانشغال جمهور القراء بما تتيحه المواقع الإلكترونية من «مصادر المعرفة»، والتحميل المجاني للكتب. هذا لا يعني عدم وجود عناوين لافتة من مطابع دمشق. سنجد في جناح «دار كنعان»: «مراثي محمود درويش»، وفي «دار ممدوح عدوان»، نسخة لمخطوطة غير مكتملة تضم القصائد الأخيرة التي كتبها ممدوح عدوان قبل رحيله، وفي جناح «دار التكوين» الأعمال الأدبية لليوناردو دافنشي، و«الكتب في حياتي» لهنري ميللر، وفي «دار الحوار»، «مدائن الأرجوان» لنبيل سليمان، وفي «دار أطلس»، رواية نبيل الملحم «حانوت قمر»، وفي «دار رفوف» «دستويفسكي بلا رتوش». كما هاجر بعض الكتاب بنصوصهم إلى دور عربية، فأصدر خالد خليفة روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» («دار العين» و«الآداب»)، واتجهت لينا هويان الحسن (الصورة) إلى «دار ضفاف» في بيروت لطباعة روايتها الجديدة «نازك خانم».