عكا | «شعبي قرّر، شعبي حرّ، عنا برافر ما بمرّ». هتافات وأصوات شابة ملأت أحد أهم شوارع حيفا الممتد من أسفل حديقة البهائيين إلى «ساحة الأسير» في «حي الألمانية». لافتات كُتبت عليها شعارات مثل «عَ الشوارع»، و«برافر لن يمرّ»، و«الرصاص، الاعتقالات، وجرافاتكم لن تكسر إرادة وتحدي شعبنا»، و«اليوم أهل النقب وبكرا: إنت»، فضلاً عن أعلام فلسطين التي حملتها زنود شبانها وشاباتها الذين غنّوا وأغلقوا الشارع بأجسادهم. أبرز الأغنيات كانت «بلادي بلادي» لسيد درويش التي اعتاد الفلسطينيون تغيير كلماتها لتلائم واقعهم: «يا فلسطين الأبية/ علمتنا الوطنية/ كلّ شيء للقضية/ كلّ شيء لبلادي».
هذه التظاهرة ما هي إلا جزء من التجهيزات لـ«يوم الغضب» الثالث غداً السبت في كلّ من النقب، والقدس، ورام الله، وحيفا. تحضيرات شهدتها المدن والقرى والشوارع الفلسطينية كتصدٍّ لمخطط «برافر» الإسرائيلي القاضي بمصادرة أكثر من 800 ألف دونم من أراضي النقب (جنوب فلسطين) وتهجير 40 ألفاً من سكانه وتجميعهم في ما يسمى «بلديات التركيز»، فضلاً عن تدمير 38 قرية غير معترف بها إسرائيلياً.
بعد تظاهرة حيفا، استيقظ أهلها في صباح اليوم التالي على رسومات غرافيتي على جدرانها: «المقاومة مستمرة»، و«30,11 يوم الغضب»، و«انزلوا عَ الشارع»، و«برافر _ لن _ يمر»، وذلك بالتوازي مع الحراك الميداني والافتراضي. صباح أمس، نُشر على فايسبوك فيديو بعنوان «برافر لن يمر 30.11» (مدته 23 ثانية) يصوّر مقطعاً قصيراً جداً من تظاهرة حيفا التحضيرية ليوم الغضب. ظهرت في الشريط سلسلة بشرية على امتداد الشارع، وفي الخلفية صوت سيد درويش يغنّي «بلادي بلادي»، مرفقة بهتافات من التظاهرة، فيما تركز عدسة الكاميرا على حافلة ركاب تمرّ من الشارع ببطء، قبل أن يُختم الفيديو بالسؤال: «بدك الباص يفوتك؟ خليك بالبيت! يوم السبت 30.11 كلنا في تظاهرة الغضب».
ملصقات عديدة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها واحد باللونين الأحمر والأسود كُتب عليه «يوم الغضب 30.11 برافر لن يمر»، استبدل به كثيرون صور البروفايل الخاصة بهم. وطالبت بعض الملصقات التي صُمِّمت للمناسبة بحرية الشيخ صياح الطوري الملقب بـ«شيخ العراقيب» الذي اعتقلته الشرطة الإسرائيلية في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 عند هدم قرية العراقيب للمرّة الواحدة والستين.
من الفيديوهات التي تم إنتاجها أيضاً ضمن حملة الحشد لـ«يوم الغضب»، كان شريط بعنوان «الغضب القادم»، أنجزته الصحافية منى العُمري، وهو عبارة عن تجميع ومونتاج لصور صوّرتها خلال تظاهرات الغضب الماضية في 15 تموز (يوليو) والأول من آب (أغسطس) الماضيين (الأخبار 31/7/2013)، أرفقتها بأغنية «مقاوم» للفنانة اللبنانية جوليا بطرس. وقبل يومين من «يوم الغضب»، انطلقت أغنية خاصة عبر يوتيوب بعنوان «لمّا تغضب» (كلمات وألحان ميسان حمدان، وعزف وتوزيع إيال حلبي، وغناء أحمد حكروش)، تختتم بالكلمات الآتية: «أرضي الحرّة للأحرار/ وفيها إحنا منبني بيوت/ طفل وصبية وختيار/ زرعوها زيتون وتوت/ لا مخطط يلغيني ولا حكم بينهيني ولا قوة تخليني/ أطلع منها ولو
عَ الموت».
منذ البداية، يعتمد الحراك الشبابي في نشاطه هذا على التوثيق المستمر للتظاهرات وعنف الشرطة الإسرائيلية تجاه المتظاهرين والاعتقالات، من خلال بيانات صحافية وتقارير وصور ومقاطع فيديو تُحمّل جميعها وتُنشر على الـsocial media، أكان من خلال صفحة «إضراب 15 تموز» الفايسبوكية، أم من خلال الحسابات الفردية.
وانطلاقاً من إيمانه بأهمية التوثيق، وخصوصاً انتهاكات الشرطة الإسرائيلية ضد المتظاهرين، كان الحراك قد أجرى أمس «تدريباً سريعاً لمصوري ومصوّرات يوم الغضب» على يد المصور محمد بدارنة. الإيمان بأهمية التوثيق ليس الدافع الوحيد وراء هذا الحراك الإبداعي في إطار الحشد لـ«يوم الغضب»، بل إنّ كل هذا يصبّ في خانة الصرخة المستمرة في وجه التقصير الإعلامي تجاه القضية، كما استخدمت هاشتاغ إعلام _ شعبي _ حر لنقل صورة الأرض المحتلة إلى العالم كلّه. صورة لا تعجب الكيان الغاصب، لأنّها تهتف بلسان حال الناس: «في الثلاثين يا ثوار/ عيدوا ثلاثين آذار!».
منذ الإعلان عن «مخطط برافر» في 4 حزيران (يونيو) 2012، شهدت فلسطين تظاهرات عدة تنادي بالتصدي لـ«النكبة الجديدة» التي لا تنحصر بمصادرة أراضي النقب وتهجير سكانها، بل ستمتد بأشكال عدّة إلى مناطق أخرى في الأراضي المحتلة عام 1948، منها مخطط تهويد الجليل. وكان الحراك الشبابي الفلسطيني قد سبق أن أطلق تظاهرتي غضب: الأولى في 5 تموز (يوليو) الماضي، والثانية في 1 آب (أغسطس) 2013.






إضراب فايسبوكي

اُطلقت صفحة «إضراب 15 تموز» الفايسبوكية في 7 كانون الثاني (يناير) 2013، وبلغ عدد معجبيها حوالى 7 آلاف حتى اليوم. كان الهدف من الصفحة «رفع السقف النضالي لمواجهة «مخطط برافر» الاقتلاعي، ولتنسيق الجهود من أجل إنجاح الاحتجاجات المرتقبة في هذا الصدد، على رأسها القرار بالإضراب العام يوم 15 تموز (يوليو) 2013، لكنّها لا تزال فاعلة حتى اليوم في إطار توثيق الانتهاكات الإسرائيلية ضد المتظاهرين الفلسطينيين، والتنسيق لإنجاح تحرّك الغد. إلى جانب الصور ومقاطع الفيديو والأخبار العاجلة، تنشر الصفحة لوائح بأماكن تجمّع الباصات في مختلف المناطق للمشاركة في «يوم الغضب» الثالث.