فرق كبير بين شريط الفيديو الذي وضعته إحدى الصحافيات على صفحتها على الفايسبوك وتظهر فيه «بيِّتي» إحدى العاملات الإثيوبيات في لبنان وهي تسخر من إعلان السياحة في «دولة الأرز»، فتبتسم أمام الكاميرا لتقول بعربيتها الثقيلة «ليش في أحلى من لبنان» وهي في حالة مزاح وضحك مع العائلة التي تشتغل عندها كأنها أحد أفرادها، وبين الفيديو المروّع الذي انتشر ليلة أول من أمس على موقع «لايف ليك».
رغم عدم وضوح اللهجة وحتى الضحية، إلا أنّ الموقع أشار إلى أنّ الفيديو يُظهر «عاملة إثيوبية معلقة في السقف» وتتناوب على جلدها «عائلة سعودية». إذا صحّت هوية الضحية، فلن يكون هناك فرق كبير بين هذا الشريط، وفيديو الإثيوبية آليم ديشاسا (الأخبار 2/9/2013) التي تعرّضت لضرب مبرح على يد ربّ عملها أمام قنصلية بلادها في بيروت قبل أن تنتحر شنقاً بعد أيام، ولا مع الفيديو الذي تسرّب للنجم السوري سامر المصري قبل سنوات، ويظهر تعرّض عاملة منزله الفيليبينية لتعذيب مفرط من قبل زوجته. في كل تلك الحالات سادية من نوع خاص ترجّح غرق نسبة كبيرة من المجتمعات العربية في العنف وتنافسها على إظهاره، بل توثيقه في بعض الأحيان بقصد التباهي به على الملأ.

لم تمض سوى أسابيع قليلة على بث فيديو على يوتيوب يظهر رجلاً سعودياً ينهال بالضرب على عامل نظافة آسيوي بتهمة أنه تحرش بزوجته، وتولى مهمة التصوير شخص ثان ربما بقصد إعادة مشاهدة الشريط والتلذذ بإظهار القوة والتسلط على عامل ضعيف لا يملك سوى عبارات الرجاء وتكرار القسم بأنه بريء مما نسب إليه، حتى ظهر شريط «العائلة السعودية» وقد اجتمعت بكبيرها وصغيرها ذكوراً وإناثاً لتقتصّ من الضحية، إذ علّقتها في سقف المنزل وأخذت تتناوب على جلدها بالسياط، في مشهد يعيدنا إلى العصور البائدة والطرق التي كانت تتخذ لتعذيب المجرمين أيام الجاهلية.
في هذا الشريط، نشاهد مجموعة من النساء يقفن عند الباب ليتولين دور التشجيع أولاً ثم الاستمتاع بـ «المنجز» الذي يصنع على مرأى من عيونهن دون أن يهتز لهن جفن، فيما أخذ رب الأسرة زمام المبادرة وبدأ بالجلد، ليتناوب في ما بعد الأولاد غير آبهين بصرخات الاستغاثة التي تطلقها الضحية، بل نسمع ضحكة سخرية من الشخص الذي تولى توثيق الحادثة وتبادل للعبارات بقصد تنفيذ المهمة بدقة عالية!.
مرة جديدة، نجد أنفسنا أمام جريمة أخلاقية وإنسانية من المستوى الرفيع تظهر مدى الوحشية في التعامل مع هؤلاء العمال الأجانب، الذين فرض عليهم تحمّل تبعات العقد النفسية للعائلات التي استقدمتها، فإذا بها تحولّهم إلى شماعة لتعليق عقدها النفسية وتفريغ جرعات من الكبت والعنف، لكن جولة سريعة على وسائل الإعلام الخليجية تبدو مفاجئة. رداً على الفيديو، قرّر الإعلام السعودي التركيز على الجرائم التي ارتكبتها بعض العاملات الأجنبيات في الخليج، مقابل إدارة الظهر لتلك الفيديوهات التي يتكفل العالم الافتراضي بفضحها وإحالتها على محاكمة الرأي العام. سرعان ما أخذ الشريط ينتشر عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مع المطالبة بمحاكمة المجرمين، لكن كما هي العادة، مرّت ساعات قليلة قبل أن تخبو القصة وتطوى صفحتها وتظل الحال على ما هي عليه من دون مجرد التعليق من السلطات المختصة على تلك الجرائم.