تونس | تزامنت ذكرى «اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة» (25/11) في تونس مع حدثين بارزين يؤكدان أنّ المخاوف على مكاسب المرأة التونسية حقيقية وليست فزاعة تحت حكم الإسلاميين. في نهاية الأسبوع الماضي، افتُتح مطعم في مدينة سوسة الساحلية مخصّص للملتزمين تعاليم الإسلام، حيث يُمنع الاختلاط ولا يسمح بدخول «السافرات» (على حد تعبير الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي) من عاريات الرؤوس والمتبرجات واللواتي لا يلتزمن «اللباس الشرعي». ليس بعيداً عن مدينة سوسة، حكم قاضٍ في مدينة المنستير التي ينحدر منها الزعيم الحبيب بورقيبة الملقب بـ«محرّر المرأة» على سيدة متزوّجة حديثاً بغرامة مالية تبلغ ألفي دينار (نحو ألف يورو) بعد شكوى قدمها زوجها بعدما اكتشف أنّها ليست عذراء! لا شيء قد يلخّص الوضع التونسي اليوم أكثر من الحادثتين. إلى وقت قريب، كان التونسيون يعتقدون أنّ حداثة المجتمع التي تقوم أساساً على حرية المرأة وحقوقها، مكاسب لا يمكن التراجع عنها. وقد مثلت «مجلة الأحوال الشخصية» الصادرة في ١٣ آب (اغسطس) ١٩٥٦ (قبل عام من إعلان الجمهورية) نقلة ثورية في المجتمع التونسي التقليدي آنذاك.
نجح الزعيم الحبيب بورقيبة في إقناع شيوخ وأئمة «جامع الزيتونة» (السلطة الدينية العليا) وقتها في مساندة الفصول التي جاءت بها المجلة لتنظيم الحياة الاجتماعية، ومن أهمها منع تعدد الزوجات، وتجريم الزواج على غير الصيغ القانونية (الزواج العرفي)، واشتراط موافقة الفتاة على الزواج، وإلزامية تعليم الفتاة وحقها في العمل وضمان حقوقها المالية والأدبية عند الطلاق. وبفضل هذه المجلة اكتسبت تونس حداثتها.
كان واضحاً منذ البداية أنّ حرية المرأة في تونس ومكتسباتها ستكونان الجدار الذي سيقف ضد زحف الإسلاميين على الفضاء العام، وعلى الحياة الاجتماعية. لذلك منذ وصولهم الى الحكم، بدأوا بالتشجيع (بشكل خفي) على دعوات تعدد الزوجات والزواج العرفي الذي انتشر بنحو ملحوظ، فيما غضّت السلطة الطرف عنه، بل إنّ بعض الجمعيات الإسلامية تدعو صراحة إلى سحب القانون الذي يجرم الزواج العرفي، وبالتالي السماح بتعدد الزوجات. في مناخ سياسي مماثل، كان من الطبيعي أن يتنامى العنف ضد المرأة بمعدل ثلاث مرات عما كانه قبل الثورة كما قالت الرئيسة الجديدة لـ«جمعية النساء الديموقراطيات» سعيدة راشد، التي كشفت في لقاء صحافي في مناسبة «اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة» أنّ «مركز النداء» التابع للجمعية تلقى خلال السنة الحالية ٣٥٨ اتصالاً من نساء تعرّضن للعنف منهن ٨٤ في المئة للعنف العائلي و4 في المئة للاعتداء الجنسي و٣ في المئة للاغتصاب.
وتتعرض الفتيات الصغيرات في المدارس لعمليات غسل دماغ وتجبرهن عائلاتهن على ارتداء الحجاب. وهناك عائلات تمنع بناتهن من الدراسة في التعليم الرسمي بحجة الاختلاط، وسط صمت مطبق من وزارة المرأة والطفولة التي تغض النظر عن التجاوزات في قطاع روضة الأطفال والجمعيات القرآنية في إطار التحالف بين «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي تنتمي إليه الوزيرة المثيرة للجدل سهام بادي، و«حركة النهضة» التي تقود الحكومة، وقد أدرك الإسلاميون أنّه لا بد من «أسلمة» المجتمع حتى يدوم لهم الحكم. هكذا تحولت تونس التي اشتهرت بحقوق المرأة والأسرة وحداثة المجتمع الى مشروع مجتمع شبيه بالدول الخليجية يجري تنفيذه تدريجاً!
هذه الأحداث لم تمرّ بصمت. تصدت مجموعة من الجامعيات التونسيات لما حدث وما يحدث منذ «١٤ يناير ٢٠١١» ضد المرأة، وخصوصاً أستاذات الجامعة المتخصصات في الحضارة العربية والخطاب الديني مثل الروائية والجامعية آمنة الرميلي، وألفة يوسف، ورجاء بن سلامة، وآمل قرامي، ونائلة السليني وغيرهن. منذ أشهر، تقود أولئك المناضلات مع ناشطات الحركة النسوية في «جمعية النساء الديموقراطية» و«الاتحاد الوطني للمرأة التونسية» و«ائتلاف حرائر تونس» مواجهة مع الظلاميين الذين لم يكفوا عن تشويههن على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بالقتل. مثلاً، تعيش ألفة يوسف التي أصدرت مجموعة من الكتب عن المرأة في الإسلام، مثل كتابها الشهير «حيرة مسلمة» تحت حماية أمنية مشددة، وهي ممنوعة من مغادرة بيتها بعدما اكتشف الأمن مخططاً لاغتيالها في العيد الوطني للمرأة (13/8).
مقاومة النساء التونسيات للمدّ الظلامي جعلت بعض المتابعين للشأن التونسي يعتبرون أنّ نساء تونس هن «سيسي تونس» الذي سينقذ البلاد من الهاوية التي يقودها إليها الإسلاميون.
9 تعليق
التعليقات
-
سياسة النعامةسياسة النعامة هي أن يدفن المرء عينيه وأذنيه في الرمل ويرفض رؤية الواقع أو الاعتراف به أو التعامل معه. وهذا هو حالنا في تعاملنا مع عالم اليوم عموما ومع حقوق الإنسان خصوصا وحقوق المرأة بشكل أخص. إننا نعيش حالة إنكار لمدى ما نحن عليه من تأخر عن الحضارة البشرية في هذه المجال. وهو تأخر يصعب على بعضها التفطن إليه ناهيك عن الاعتراف به، ولذلك بدلا من الرجوع الى فضيلة الاعتراف بالحق، نلجأ الى المراوغة ومواصلة اجترار مقولات استوعبناها صغارا قبل بلوغ سن التمييز والرشد، ولم نجرأ على وضعها موضع التساؤل ونحن كبارا. ونرفض الاعتراف بإنجازات من تجاوزنا بأشواط فنكفّره ونحقّره وننتقد ما في مجتمعاته من نقائص لا يخلو منها أي مجتمع، بدلا من التركيز على ما فيها من حريات ومزايا والسعي إلى مجاراتها. وإلى أن يحدث ذلك سنواصل تكرار أننا أحسن أمة أُخرجت للناس دون القدرة على تفسير كيف نكون كذلك مع كوننا في نفس الوقت في أسفل ترتيب الشعوب.
-
ودفنت حداثة تونس بدأ عهد الفصل العنصري في تونس , مبروك عليكم هذا العهد القذر , منتهي الغباء " مطاعم مخصصة للملتزمين بتعاليم الاسلام ؟ طعنة في ضهر الاسلام , وهذه السياسة لا تمت الى الاسلام بصلة على الاطلاق وسوف ترون ردود الفعل قريبا يا من لا تفهمون الاسلام , دين التسامح والرحمة واحترام الانسان .
-
نجح الزعيم الحبيب بورقيبة فينجح الزعيم الحبيب بورقيبة في إقناع شيوخ وأئمة «جامع الزيتونة» (السلطة الدينية العليا) وقتها في مساندة الفصول التي جاءت بها المجلة لتنظيم الحياة الاجتماعية، ومن أهمها منع تعدد الزوجات، وتجريم الزواج على غير الصيغ القانونية (الزواج العرفي)، واشتراط موافقة الفتاة على الزواج، وإلزامية تعليم الفتاة وحقها في العمل وضمان حقوقها المالية والأدبية عند الطلاق. وبفضل هذه المجلة اكتسبت تونس حداثتها. وانا اقول من ينجح في تونس من لجم نكاح الجهاد الان
-
تعليقكفاكم حقدا على الاسلام وبورقيبة لم يحرر المراة الأسلام حررها قبله منذ قرون
-
المخاوف حقيقية ولكن النصر آتما تتعرض له تونس، وغيرها، من هجمة شرسة ظلامية على الحداثة وحقوق الإنسان، وبالخصوص حقوق المرأة، أمر طبيعي ومتوقع في ظل هامش الحرية الذي أتاحه الربيع العربي لشعوب التقى عليها طغيان التديّن وتفشي الأمية والجهل وانتشار الفقر والمدّ الظلامي من ثقافة تجاوزها الزمن. وما تبديه تونس من مقاومة أمر طبيعي ومتوقع أيضا من بلد اتسم بالانفتاح منذ قرون، ونال من استنارة التعليم والتوعية قدرا محترما نسبيا، ولذلك فإن المواجهة محتومة ولكن مصيرها معروف سلفا، فظلام الكون كله يعجز عن إطفاء نور شمعة واحدة. وانتشار التعليم والوعي، ولو ببطء، سيكشف ظلامية المتشددين وعقم ما يدعون إليه. والأهم أن وعي المرأة في تونس وفي غيرها من البلدان هو أحسن ضمان لتنشئة جيل متزايد الوعي بحاضره ومتزايد القدرة على تشكيل مستقبل أفضل له وللأجيال القادمة. تحية إلى سيدات تونس وإلى من يقف وراءهن من الرجال!