لعل قدر جيلو أن يعيش طريداً مشرداً. هذه الشخصية المسرحية التي أبدعها الشاعر المغربي طه عدنان في مونودراما «باي باي جيلو» ستطرد من بروكسيل في نهاية المسرحية بعدما اتُّخذ بحقها قرار الترحيل إلى موطنها الأصلي المغرب. جيلو المُرحَّل من بروكسيل، وجد نفسه ممنوعاً من دخول القدس الجمعة الماضي بعدما حالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي دون دخوله المدينة، في إطار عرض لـ«مسرح الحارة» الفلسطيني كان مبرمجاً على خشبة «المسرح الوطني الفلسطيني» بشراكة مع «رابطة المسرحيين الفلسطينيين». وكان «مسرح الحارة» قد قدم عرضين لـ«باي باي جيلو» في مسرح القصبة في رام الله و«دار الندوة الدولية» في بيت لحم. وحسب بلاغ لـ«مسرح الحارة»، فإنّ عرقلة عرض «باي باي جيلو» في القدس تمت بعد «عدم حصول طاقم العمل على التصاريح اللازمة». ويندرج تعنّت سلطات الاحتلال في استصدار التصاريح ضمن سياسة صهيونية ممنهجة هدفها عزل القدس عن محيطها الفلسطيني، ومحاصرة الفعاليات الثقافية التي تؤكد هويتها العربية.لكن المنع الإسرائيلي لن يوقف مسيرة جيلو المسرحية.

ذاك أنّ «الحارة الفلسطيني» سيواصل تقديم «باي باي جيلو» في جولة أوروبية تبدأ بعرضين في مرسيليا يومي 29 ت2 (نوفمبر) والأول من ك1 (ديسمبر) في مسرح «لافريش بل دو مي» لتتواصل العروض في منطقة «بروفانس - الألب - كوت دازور» قبل أن تنتهي الجولة بعرض يقام في فضاء «ماغ الثقافي» في بروكسيل مساء السبت 14 ديسمبر.
ويقوم «باي باي جيلو» على مسرحية مونودرامية بالعنوان نفسه (تأليف الشاعر المغربي المقيم في بروكسيل طه عدنان) جاءت في تسع لوحات. وتروي المسرحية حكاية الجيلالي الملقّب بجيلو، وهو شاب مغربي قدم إلى بلجيكا وأقام فيها بطريقة غير شرعية، قبل أن يجد نفسه مرمياً في طائرة، تحت حراسة شرطيين بهدف ترحيله.
تبدأ المسرحية بمشهد ترحيل جيلو الذي تُرعبه الطائرة، رغم حلمه الطفولي بأن يصير طيّاراً، وهو المشهد الذي تنتهي به المسرحية أيضاً. وبين المشهدين الأول والأخير، تتوالى لوحات المسرحية وتتنامى أحداثها الدرامية بكثير من التشويق، كاشفةً العديد من مستويات الصراع التي يعيشها جيلو: صراع داخلي مع ذاته، بدءاً باسمه العتيق «الجيلالي» الذي اضطرّ إلى استبداله باسم جيلو، وآخر خارجي بدأ مع والده ذي الصفعات السديدة، ثم مع والدته التي تخفّفت منه بعد وفاة أبيه لتعهد به إلى عمه المهاجر في بروكسيل كي يسفّره معه بطريقة غير شرعية. صراع آخر سيتأجّج في بروكسيل مع العم وزوجته وولديه، قبل أن يهرب منهم ليعيش حياة التسكع والشقاوة (حياة لم تثنه عن خوض قصة غرام مع معشوقته الفلمنكية ليزبيت التي تنكّرت بدورها لحبّه) والمشاكل مع الشرطة التي كانت تتعقّب سرقاته الصغيرة، وأيضاً وجوده الزائد.
«باي باي جيلو» مقاربة فنية لقضية الهجرة السرية من خلال إحدى محطّاتها الأكثر مأسوية: الترحيل. يتمّ ذلك داخل النص بعمق وجدّية، لكن بخفة ورشاقة وبغير قليل من السخرية.
«باي باي جيلو» صرخة ضدّ الإقصاء. بوحٌ من أجل إثبات ذاتٍ مهمشةٍ ووجودٍ ناقص. كل ذلك في إطار حبكة درامية مشوّقة تتيح السفر السلس بين موضوعات النص الراهنة وفعلٍ دراميّ تتناسل منه أحداث وذكريات وقصص ومغامرات مليئة بالمفاجآت في مونولوج طريف ومؤثر. مونولوج عرف المخرج الشاب بشار مرقص كيف يوزّعه على ثلاثة أصوات لثلاثة ممثلين: نقولا زرينة، وعيد عزيز وعطا ناصر. لكن هذه الأصوات الفلسطينية الثلاثة التي توزّعت صوت جيلو، وأحلامه وأوهامه، لن تحملها إلى جمهور القدس. سلطات الاحتلال وهي تحاول محاصرة عروس العروبة من الداخل، تجد صعوبة في أن تفسح المجال لأصوات الآخرين وأحلامهم.