رغم أنّ «انتحار الإخوان: انطفاء الفكرة وسقوط الأخلاق وتصدع التنظيم» (دار النهضة ــ مصر، 2013)، انتهى منه مؤلفه عمار علي حسن قبل «ثورة 30 يونيو»، غير أنّ الباحث المصري في علم الاجتماع السياسي، تنبأ بانهيار حكم الإسلاميين قبل الضربة الموجعة التي تلقتها كبرى الجماعات الإسلامية في العالم العربي. لم يتفرّد صاحب «الإيديولوجيا: المعنى والمبنى» وحده في تبيان المسببات التي عجلت هذا الانهيار، إذ سبقه جمال البنّا (1920 _ 2013) شقيق حسن البنّا (1906 ــ 1949) مؤسس الجماعة. في كتابه «ما بعد الإخوان المسلمين»، توقع جمال البنا أن يأفل نجم الحركة نتيجة عيوب بنيوية على المستويين الفكري والتنظيمي، وخصوصاً بعدما طغى الجانب السياسي الساعي إلى السلطة على الجانب الدعوي. وفق الرؤية التي يقدمها عمار علي حسن، تبدو الجماعة «كتلة متراصة» أو مغلقة من الداخل. إلى جانب الإطار التنظيمي والإداري، يفاجأ القارئ بصلابة الوحدة الاجتماعية، حيث حرص التنظيم على توطيد وتشبيك علاقات المصاهرة والزواج بين أعضائه على قاعدة «الإخواني لا يتزوج سوى إخوانية»، ما أدى إلى تكوين أسرة بيولوجية/ إيديولوجية تعمل على منع أي اختراق خارجي يهددها.

تحت عنوان «الرأسمالية المتوضئة»، يسلط المؤلف الضوء على طبقة رجال الأعمال داخل الجماعة، كاشفاً أنّ بعض الإخوان من بينهم القيادي خيرت الشاطر وحسن مالك يملكان «امبراطوريات مالية صغيرة» رغم الإنكار، فضلاً عن الشراكة مع نظرائهما ممن ينتمون الى نظام الرئيس السابق حسني مبارك. الشراكة كما يقول قامت على «شريك وسيط» من خارج مصر، كما سعت الجماعة خلال فترة حكمها إلى اختراق مؤسسات الدولة عبر الرأسماليين الإسلاميين، ودعم طبقة التجار الصغار داخلها.
يرى الكاتب أنّ الحركة ابتعدت عن الفكر الذي أرساه البنّا أو «الإمام الشهيد» كما تلقبه، مفنداً الأسباب التي دفعت القطبيين إلى إقصاء التيار الأقل حدة، علماً أن المرشد الثاني حسن الهضيبي وضع كتاب «دعاة لا قضاة» رداً على «القطبيين»، في الفترة التي كان يقبع فيها الإخوان في السجون، زمن الرئيس جمال عبد الناصر. في هذا الكتاب، أكّد الهضيبي أن وظيفة الداعية ــ باعتبار أنّ الجماعة أصلاً دعوية ــ هي الدعوة إلى الإسلام، لا الحكم على الناس.
يتطرق عمار علي حسن إلى محاولات الجماعة الدؤوبة لتعزيز استراتيجية التمكين إبان حقبة حكمها، فكيف طبقت ذلك؟ رأى أنّ هذا المشروع أخذ سبيلين: الأول، تكوين الإخوان مسارات بديلة لتلك التي تكون بحوزة الدولة بحكم الدستور والقانون. والثاني هو استغلال إمكانات الدولة ومؤسساتها القائمة لخدمة أهدافهم، على غرار ما كان يفعله الحزب الوطني المنحل.
يراهن الكاتب على حال التململ بين الصفوف الشبابية الإخوانية، نتيجة عدم رضى الجيل الجديد عن كيفية تعاطي القادة مع شؤون إدارة الدولة، وتجاهلهم المطالب الثورية، بعدما صعدوا الى الحكم على أكتاف «الثوار». يفصل صاحب «العودة إلى المجهول: راهن الإصلاح في مصر ومستقبله» الكلام حول ما أطلق عليه «السقوط الأخلاقي» للإخوان في جانبه السياسي. يحدده في جملة مظاهر: المتاجرة بالشريعة ودماء الشهداء والثورة، الخروج على القانون، تناقض أقوال الجماعة مع أفعالها، التلاعب بالشرعية، تبدل مواقف وتصرفات الإخوان مع القوى الوطنية المعارضة ومع الجماعات الثورية إثر وصولهم الى سدة الرئاسة، إيهام المصريين بأن لديهم مشروعاً للتنمية الشاملة أطلقوا عليه اسم «النهضة».
من المؤشرات التي تشي بتصدع الجماعة ـ كما يلاحظ الكاتب ـ غلبة التيار القطبي/ العنفي، وطردها كل رأي مخالف أو نقدي، ما يفسر رفضها المنظرين والفلاسفة ومنتجي الأفكار. هؤلاء يمثلون خطراً عليها. ورأى الكاتب أنّ «موت الخيال» لدى الجماعة جعلها طغمة إسلاموية عاجزة عن إنتاج المفكرين من داخلها.
يفصّل المؤلف الروابط بين الإخوان والسلفيين. يقرأ التفاعلات بينهم وبين السلفية التي أصبحت أكثر انتشاراً وتمكنت من «رؤوس بعض قادة» الجماعة، الذين ابتعدوا تدريجاً عمّا سماه «التصور المتوازن» الذي أطلقه المؤسس والمرشد الأول، نتيجة تغليب «الدعوة السلفية» على «الحقيقة الصوفية». يشار إلى أن الباحث المصري في الحركات الإسلامية حسام تمام (1972- 2011) أصدر دراسة موسومة «تسلف الإخوان»، قارب فيها التحولات التي عرفتها الحركة، ونمو توجهات سلفية كامنة في جسمها، فخرجت عن نطاق الرؤية التوفيقية التي عرفت بها في مرحلة التأسيس نحو «التسلف» أو التحول إلى السلفية.
في ختام الكتاب، يطرح عمار علي حسن بدائل فكرية وحركية، منها الحاجة الى التصوف ومشروع الإحياء الإسلامي، وتعزيز المسار المدني لمواجهة التطرف. وفي سبيل تعزيز الإسلام الوسطي يدعو إلى دعم الأزهر، الذي غُيِّب دوره عن الساحة الاجتماعية بفعل عوامل عديدة، من بينها رهن إرادته في كثير من الأحيان بإرادة السلطة السياسية، وانصراف جزء لا يستهان به من طاقته الى التعليم المدني على حساب «علماء دين راسخين». حقق «انتحار الإخوان» بمادته نبوءة الكاتب، وأظهر المعطيات البنيوية الكامنة التي أسهمت في سقوط حكم الجماعة. رغم أهمية المحاور التي درسها، والنقاط التي كشف عنها، ثمة لغة خطابية وسردية تطغى على حساب التحليل.