حيفا | يمثل فرج سليمان جيلاً جديداً من الموسيقيين الفلسطينيين في الموسيقى الآلاتية. بعد تجارب أخذت مدى واسعاً في العقدين الأخيرين مثل سيمون شاهين أو خالد جبران في الداخل، تثير تجربة عازف البيانو والمؤلف الموسيقي الشاب اهتماماً خاصاً. ولد سليمان في الرامة عام 1984، وبدأ بتقديم أعماله العام الماضي مع «تسجيل دخول» من حيفا (يصدر كألبوم منتصف 2014). وبدعوة من جمعيتي «المشغل» و«سراج»، يطل سليمان مجدداً من حيفا أيضاً بعمل لافت آخر هو «ثلاث خطوات»، رباعي الآلات يرتكز على ممكنات العلاقة بين البيانو والعود.
لا يبدو عمل سليمان مألوفاً في سياق تجارب الداخل الفلسطيني ولا حتّى في التجارب الحاصلة في العالم العربي. عن تصوره لهذه المغامرة الموسيقية، يقول: «ما سأقدمه في هذا العرض هو مزيج جديد بين البيانو والعود. آمل أن يخلق لوناً جديداً بين هاتين الآلتين. العود لن يُسمع كما سُمع من قبل عند تأديته للألحان الشرقية، وهذا كان أساس بحثي عند كتابة العمل. عند كتابة العمل، حاولت إخراج العود من كل الألوان التي اعتاد تقديمها في سبيل إعطائه لوناً جديداً، بالأحرى كشف ممكنات هذه الآلة». مغامرة سليمان ليست يسيرة عندما يصل الأمر إلى تنفيذها: «المواد كانت صعبة التنفيذ على آلة العود، واختيار العازف حبيب شحادة حنا كان بعد المحاولة مع عازفي عود ممتازين، لم يتمكنوا من عزف هذه المواد على العود. اللون الموسيقي للآلة كان موضوع بحثي لجميع الآلات الموظفة في العمل، وليس فقط حدود آلة العود. البيانو أيضاً سيُسمع بلون جديد. أما بالنسبة إلى آلات الإيقاع، فقد كان دورها تلبية إمكانية تطوير إيقاعات شرقية عديدة اشتركت في العمل». العام الماضي حين قدّم سليمان «تسجيل دخول» في حيفا، كانت المفاجأة أنّ التذاكر قد نفدت قبل أيام من العرض، رغم مفارقة الموسيقى التي يقدمها عما يفضله جمهور حيفا والشمال الفلسطيني. لكن هذا النجاح لم يشعر سليمان براحة أو اطمئنان: «التعقيبات على العرض كانت متباينة. بعضهم أحب العمل والفكرة، وبعضهم الآخر شعر بفراغ نظراً إلى غياب الآلات الأخرى التي تتوقعها أذنه. ساعة كاملة من الموسيقى الآلاتية، وتحديداً على البيانو، ليست ما تفضله الأذن الشرقية. ثقتي بالعمل جعلتني أقدم على هذه المغامرة، التي أرى الآن أنها لا تخلو من التهور». ويؤكد سليمان أنّ «ثلاث خطوات» ليس استمراراً لعمله السابق «تسجيل دخول»: «في «تسجيل دخول»، كان بحثي منصباً على تحويل الأغنية العربية إلى مقطوعة، من تصرفها وبنائها كأغنية إلى تصرفها وبنائها كمقطوعة آلاتية. كان لديّ هم يتلخّص في استعمالي آلة البيانو كعازف عربي لتأدية اللحن الشرقي». في «تسجيل دخول»، عزف الموسيقي المعروف خالد جبران كضيف في حفلة إطلاق العمل، كما وزّع سليمان مقطوعة من أعمال الأخير، ما بدا للحضور علاقة بين جيلين من الموسيقيين ورهاناً من جبران صاحب الأثر على تجارب فلسطينية كثيرة. سليمان بدوره يكن تقديراً خاصاً لجبران: «من هذا الجيل كله، أرى أن أهم تجربة موسيقية تستحق الدراسة هي تجربة خالد جبران. وبناءً عليه فإن علاقتي هي مع تجربة من هذا الجيل متمثلة في خالد جبران لا مع الجيل كجيل. أعتبر «مزامير» (2006) لخالد جبران من أهم الأعمال الموسيقية العربية، فهو مليء بالتجديد والأفكار اللحنية. وفي الحقل الآلاتي الذي أبحث فيه، أجده من أقرب الأعمال إلى توجّهي الموسيقي. لقد كان بمثابة تحدٍّ لي أن أختار مقطوعة من العمل اسمها «إيراني» وأقوم بتوزيعها للبيانو والعود، لكونها مقطوعة مكتملة ومتقنة».
أما عن جديده بعد «ثلاث خطوات»، فيقول إنّه يعمل على تلحين قصائد للشاعر الزميل نجوان درويش، ويبحث في إيجاد اللون والقالب الموسيقي الملائم لهذه القصائد: «التعامل مع قصائد نجوان يستدعي البحث في قوالب موسيقية جديدة، تستجيب للشكل والحساسية الشعرية الجديدة. اهتمامي كموسيقي هو تلحين مقطوعات آلالاتية، لكن في المقابل أرى ضعفاً في الأغنية الفلسطينية من الواجب تقويته، والبحث عن نصوص فلسطينية من حيث لهجتها ومقولتها». وعند سؤاله عمّن سيؤدي العمل غناءً يقول: «بما أن القصائد متنوعة ومركَّبة من حيث الحالات الشعرية والموضوعات، فإنها تتطلب صوتاً قوياً متنوعاً يستطيع التعبير عن حالات عديدة والتلاؤم مع ألحان مختلفة، لا صوتاً أحادياً. ما زلت أبحث عن هذا الصوت».
ورغم تلقيه بعض الدعوات لتقديم حفلات في ألمانيا، فإنّ عين فرج سليمان على محيطه العربي: «حلمي كأي موسيقي فلسطيني بأن أقدم أعمالي في دمشق وبيروت والقاهرة وغيرها. ثمة بعض الكلام غير الرسمي مع أصدقاء، لكنه لم يتحوّل إلى برنامج بعد. اهتمامي بالتواصل مع العالم العربي يفوق أي اهتمام آخر».



أمسية فرج سليمان: 20:00 مساء 15 ت2 (نوفمبر) ــــ قاعة «كريغر»، حيفا