رغم القذائف التي تمطر غالبية أحياء العاصمة، وسلسلة التفجيرات التي لا تنتهي، لا تزال دمشق تنبض بالحياة. إلا أن عدداً كبيراً من صنّاع الدراما السورية يديرون كاميراتهم في الشام لتصوير أعمال الموسم المقبل، ومنهم المخرج ناجي طعمي، الذي يصوّر حالياً مسلسل «خواتم» مع كاريس بشار، وعبد المنعم عمايري، ومرح جبر.
وبينما يصوّر المخرج إياد نجاس الجزء الثاني من «صرخة روح» مع أمل عرفة، وأيمن رضا، شارف أحمد إبراهيم أحمد على الانتهاء من تصوير «نساء من هذا الزمن» مع سلمى المصري، وشكران مرتجى، وهبة نور. ويتهيّأ آخرون للدخول في أعمال جديدة. جولة سريعة على بعض الفنانين والفنيين كفيلة باستطلاع أجواء العمل والتصوير، وكيف يمكن هؤلاء التركيز وسط الحالة المشحونة وشبح الموت الذي يخيّم على حياتهم.
بسام كوسا ما زال في مرحلة قراءة النصوص التي عُرضت عليه هذا الموسم. يعبّر الممثل السوري مراراً في حديثه لـ «الأخبار» عن رفضه مغادرة بلده بسبب ما تعانيه. أما عن حالته النفسية أثناء التصوير، فيقلّل من شأنها. يقول «هي مسألة طبيعية، لأننا نذهب إلى عملنا مثلما يذهب الفرّان والحداد وجميع أصحاب المهن إلى أشغالهم، والخلاصة الوحيدة أنّ الحياة أقوى من الموت ويجب علينا الدفاع عنها». ويضيف بطل «طاحون الشرّ» (2012) إنّه «ليس مُجدياً أن نفصل بين من يصوّر أعماله داخل أو خارج سوريا، لأن الجميع ليسوا بخير، وعلينا الابتعاد عن تصنيفات من هذا النوع». ثم يلفت إلى أنّه «إذا كان الإبداع ضرورة هذه المهنة، فالأهم هو استمرار العمل ولو من دون إبداع لأنه شرط أساسي لاستمرار الحياة».
أما الممثلة لينا دياب، التي تشارك في مسلسل «خواتم»، فتؤكّد بقاءها في دمشق وعدم مغادرتها إلا من أجل العمل، وتتحدّث عن ظروف التصوير في دمشق، فتقول «إضافة إلى خطر الانفجارات والقذائف، لا يمكن الوصول إلى التصوير بسبب كثرة الحواجز وازدحامها إلا ونحن في أقصى حالات التوتر والقلق. هذا فضلاً عن إحساسك بأنك قد تموت في أيّ لحظة». وتضيف أنّه رغم مرور ما يقارب ثلاث سنوات على الأحداث، إلا أنها لم تستطع «التعوّد أو التأقلم مع ما يجري. مع ذلك، فالحياة تستمر والعمل في الدراما اليوم ليس ضرباً من الترف، بل دعوة إلى صمود سوريا، وهي مهنة نعتاش منها مثل بقية المهن». وعن جديدها، تكشف أنّها تجسّد دور طبيبة نفسية في «خواتم» وتستغلّ عملها من أجل تحقيق مكاسب مادية.
بدوره، يكشف عباس النوري أنّه يتلقى اتصالنا وهو في اجتماع عمل، وهذا دليل قاطع على مضي الحياة على نحو اعتيادي في دمشق. ثم يروي لنا جزءاً من يومياته قائلاً «بعدما ودّعت أهلي مرة وانطلقت من باب توما (الجهة الشمالية الشرقية من دمشق)، إذا بانفجار يضرب منطقة برج الروس، فغيّرت طريقي. وبعدما عَبرت شارع حلب، انهالت القذائف على ساحة العباسيين. تابعت السير وليس في الأمر بطولة، بل تمسّك بالحياة إلى درجة الانتحار. المفارقة أن شرطي السير أوقفني في حيّ التجارة، لأنني خالفت القوانين! وبعدما تعاطيت معه على نحو ودود، صادفت بائع يانصيب أصرّ على أن يبيعني ورقة ويتوقع لي الربح». إذاً «الحياة مستمرة رغم كل مخاطرها، ونحن باقون في البلد، وأينما ذهبت فسنذهب معها» بحسب تعبير بطل «باب الحارة».
يتطرّق الممثل المعروف لتداعيات الأمر على سير العمل والتصوير، ويعترف بأنّ «أعمالنا لها خصوصيتها رغم أن الأوضاع قلّلت من جودتها وأثّرت فيها على نحو مباشر، لأنه ليست هناك إمكانية للتركيز بسبب حصارنا إمّا بعبوات ناسفة أو سيارات مفخّخة أو قذائف هاون، إضافة إلى القصف الإعلامي المستمرّ على مدار 24 ساعة». ويرى نجم «طالع الفضة» أن «مسألة تقييد حرية الفنان ومحاولة سحب ترخيص المواطنة منه هما بمثابة عبوة ناسفة إضافية ترمى في طريقه. إنّ سوريا تفقد مثقفيها وفنانيها على نحو يومي، وهذه فرصة للنظام ليرفع بطاقة بيضاء كي يعود الجميع ويزيل الخطوط الحمراء عن أسماء كثيرة، لأنه ليس معقولاً أن يكون شرط الوطنية هو حبّ النظام. إن شهادة حسن السلوك تمنح من الجمهور فقط، لا من الأنظمة السياسية».
أما مدير الانتاج سامر الطويل، فيؤكد في حديثه لـ «الأخبار» أنّ فريق عمله في مسلسل «نساء من هذا الزمن»، الذي ينتهي تصويره في دمشق بعد أيام، رسم خطّة التصوير على أن تكون غالبية المواقع في أحياء راقية، بحيث يكون احتمال تعرّضها للخطر أقلّ من غيرها. ويضيف «نصوّر في أيّ حيّ نضطر إلى التصوير فيه. الآن على سبيل المثال، أصوّر في «باب شرقي» وهو حيّ تعرّض لسقوط متكرّر للقذائف نظراً إلى قربه من الغوطة الشرقية». ويلفت إلى أنه خلال تصوير «نساء من هذا الزمن»، التزم الممثلون المواعيد والتوقيت رغم كل الصعوبات، خاتماً «تدور الأحداث على نحو طبيعي. لقد اعتدنا الحياة المحفوفة بالمخاطر، ولم نعد نهاب الموت، وهذا سرّ استمرارنا».



نجاة تولين البكري

يؤكد الممثل عباس النوري أنّه تعرّض لأكثر من حادثة كادت تودي بحياته، منها الانفجار الذي وقع في ساحة الحجاز، وقد فصلته عنه دقائق معدودة. المفاجأة أن السير توقف حينها لدقائق، ثم عادت الحياة كأنّ شيئاً لم يكن، كما سقط صاروخ بالقرب من بنايته في مشروع دمر، كان ممكناً أن يهدّمه، فيما أصابت قذيفة هاون سيارة الممثلة تولين البكري وهي بداخلها في حي الشعلان الدمشقي، وقد دمّرت السيارة تدميراً كاملاً، ونجت صاحبتها بأعجوبة.