إذا كانت الأعمال الفنية اللبنانية تعاني غياب الهوية وغربة عن واقعها، فإنّ فؤاد عليوان قلب الآية وقرّر المواجهة، فأخذ من الزمان والمكان والهويّة أبطالاً لفيلمه الروائي الطويل الأوّل «عصفوري»، ووضع الممثلين في خدمتها. حرص المخرج اللبناني على الابتعاد عن الكليشيهات، خصوصاً تلك التي تحوّلت إلى لازمة في الكثير من الأفلام اللبنانيّة، وعلى حجتها حصدت جوائز عربية وعالمية، كالتعايش «اللطيف» بين المسلمين والمسيحيين. مع ذلك، مرّ عليوان على الفكرة من دون ادعاء أو افتعال، من خلال احتضان مبنى بيروتي قديم لمختلف الطوائف.
طبعاً، لا تشابه بين عصفور فؤاد عليوان و«العصفور» (1972) الذي صنعه الراحل يوسف شاهين سوى في الاسم، حتى أنّ ثمة تناقضاً في الخلاصة الذي يخرج بها كل منهما. «عصفور» عليوان انهزم بخروج ملّاك شقق المبنى القديم منه إلى مكان آخر، بينما كان فيلم شاهين بمثابة عودة صوت الشعب بعد النكسة وأنزله إلى الشارع. تدور الأحداث الرئيسية لـ«عصفوري» قبل الحرب الأهلية وبعدها، ولا يغيب عن أهوالها ولا عن الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. هكذا، يأخذ الفيلم من الحرب خلفيّة من دون التعمق في دهاليزها.
تنطلق الأحداث داخل أحد الأبنية القديمة في بيروت. مبنى عاش كل الأزمنة قبل السبعينيات وخلالها، وظل صامداً بعدها. كما عاش الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وصولاً إلى مرحلة إعادة الإعمار عام 1995، لكنه بات آيلاً للسقوط، أو هذا ما يحاول السماسرة الذين أرادوا الانتفاع بإعادة إعمار بيروت إقناع السكان به، فحاولوا بشتى الوسائل ترغيبهم وترهيبهم كي يشتروا منهم المبنى التراثي لتحويله إلى مجمع تجاري.
إذاً، أنتم في بناية أبو عفيف في منطقة الصنائع في العاصمة اللبنانية. هنا، يسكن بطل الحكاية كريم (وسام فارس) حفيد أبو عفيف العائد من المهجر الذي فرض عليه في الثمانينيات خلال الاجتياح، وعاد عازماً على ترميم بناية جدّه منتصف التسعينيات. يستنجد الشريط بمجموعة ممثلين معروفين أمثال مجدي مشموشي الذي يحترف الأداء الهادئ والمتميّز، ومعه كارولين حاتم، ثم وليد العلايلي، وعمر الشمّاع العائد إلى السينما بعد سنوات من الغياب، وليلى قمري، وجيزيل خوري التي قليلاً ما تظهر في الدراما أخيراً، بالإضافة إلى يارا أبو حيدر الحائزة جائزة أفضل ممثلة في «مهرجان وهران». في موازاة قصّة المبنى، نشاهد حكايات كثيرة متشعبة أفقدت ربما المشاهد تركيزه على الموضوع الأصلي.

«عصفوري»: صالات «غراند سينما» (01/343143)، «بلانيت طرابلس» (06/442471)، «سينما سيتي» (01/899993)




ولادة قيصرية

احتاج فؤاد عليوان (1964) إلى ما لا يقل عن ستّ سنوات لإنجاز «عصفوري» بين كتابة وتنفيذ، ثم عانى ولادة قيصريّة قبل أن يصل «عصفوري» إلى المهرجانات والجمهور، وعمل على إنتاجه بنفسه مع زوجته روزي عبده. تأنى كثيراً للانتهاء من باكورته. والنتيجة أنّه حصل على جائزة أفضل ممثلة في «مهرجان وهران السينمائي»، وأفضل موسيقى تصويريّة في «مهرجان لندن السينمائي»، ورشّح لثماني جوائز أخرى في مهرجانات عالميّة.