يفتتح «مسرح الجميزة» (راجع المقال المقابل) برنامجه بعرض مسرحية «مشاكل جنسية» (كتابة وتمثيل شاكر بوعبدالله وإخراج باتريسيا نمور) في دورة عروضه الثانية بعدما استمر في «مسرح مونو» لبضعة أسابيع قبل أشهر عدة. وكان المسرح قد استقبل حشداً جماهيرياً غير متوقع بالنسبة إلى عرض يؤديه شاكر، الممثل غير المحترف مسرحياً. إلا أنه باحترافه للكلمة الصادقة، حاز قلوب الجماهير، ما أدى الى استمرار هذا العرض.
كان شاكر قد شارك في ورشة عمل L’Atelier du Je مع باتريسيا نمور وكالين برنوتي في عام 2011 وقرر بعدها أن يكتب المسرحية، فتم التعاون مع نمور لإنجاز العمل. وقد تعاونت نمور معه في حياكة النص وفي إدارته كممثل وفي تجسيد النص على الخشبة كتجربة إخراجية أولى لها.
يعتمد العرض على نص مباشر. يلقي شاكر الضوء على معاناته الشخصية في المجتمع اللبناني المليء بالآفات من خلال مقولة «اللبناني كيف ما تكبّه بيجي واقف». انطلاقاً منها، يفتح شاكر العدسة ويحلل تداعيات وتناقضات هذه المقولة اللبنانية البطولية التي تغلف معنى باطنياً موجعاً يجسّد القمع الممارس على المواطن منذ صغره في ثقافة النفاق على الصعيد التربوي والاجتماعي والديني والسياسي بشكل ساخر ومضحك. نتابع تطبيق هذه المقولة على مراحل نموه الشخصي. يخبرنا عن لحظات مفصلية يرمي فيها المجتمع بشاكر «وبيجي واقف». ولعله على العكس، يجب عليه أن يقع على رأسه «تيفهموا إنو الحياة هيك مش مسموحة».
يعرض شاكر نقداً مطعّماً بـ«قفشات» مضحكة من خلال إلقاء الضوء على أوجه عدة في المجتمع اللبناني، فيتناول مراحل حياته التي تبدأ بصفعة في صغره نتيجة شفافيته غير المتوافقة مع مجتمع يربي أولاده على التناقضات. يعيدنا الى مرحلة الخوف في فترة الحرب الأهلية وتأثيرها عليه وعلينا جميعاً، ومن ثم الى مرحلة المراهقة وعلاقتها بتعليمات رجال الدين الذين يكذبون في رسم صورة مرعبة عن الجنس، وفي رسم صورة سلطوية لأنفسهم. في مرحلة سن الرشد، يطرح مشاكل صعوبة إيجاد عمل وأزمة العلاقة بين الرجل والمرأة ومشاكل جيل اليوم «السريع». وأخيراً، يصل الى الشق السياسي من خلال صورة البطل التي يرسمها كل زعيم لنفسه ويصدّقها مؤيديوه، بالرغم من مصلحته المبطنة في تدمير البلد. تراود شاكر فكرة الهجرة منذ بداية المسرحية. نراه منذ اللحظة الأولى للعرض وبجانبه شنطة سفر، إلا أنه يأبى أن يهجر لحظات الحبّ والفرح بين الأحبة، كما فعل كثر آخرون، فيطرح حلاً بسيطاً وصادقاً في نهاية المسرحية يدعو كل متفرج بطريقة غير مباشرة إلى أن يتأمل حوله وأن يبدأ بالتغيير من نفسه.
«مشاكل جنسية» هي بالطبع مشاكل كل مواطن مع جنسيته وتناقضات مجتمعه اللبناني. تمكن شاكر الشاب اللبناني الذي يعمل في مهنة الدعايات، من الوصول الى قلوبنا من خلال تشريح معاناته أمامنا، مطعّماً إياها بنكهة ساخرة تبعث ابتسامات مريرة على وجوهنا وقهقهات تخفي بكاءً في العمق. تجربة ناجحة ومؤثرة، وخصوصاً أنّ العرض يؤديه ممثل صولو غير محترف. إلا أن من الضروري تطوير تقنيات التمثيل إذا كان شاكر يريد مواصلة هذا الخط لأنّ العرض الجميل بصدقه يمكن أن يصل الى مستوى فني أبعد لو أن شاكر تمرّس في إيصاله من خلال تعبير أكثر تطوراً على الصعيدين الجسماني والصوتي.

«مشاكل جنسية: 20:30 اليوم وغداً ــ «مسرح الجميزة» ـــ للاستعلام: 76/409109




منذ الطفولة

في مقابلة مع lbci لدى عرض «مشاكل جنسية» في «مسرح مونو» في آذار (مارس) الماضي، قال شاكر بوعبدالله إنّ «المشاكل الجنسية التي أتحدث عنها تتعلق بالجنسية اللبنانية لا بالجنس. صحيح أنّني تطرّقت إلى الجنس في مسرحيتي، لكنّ العرض هو عن الجنسية اللبنانية، وتحديداً هذا الهاجس الذي يسكن رأسنا منذ الولادة: حقيبة السفر التي نريد أن نحملها ونغادر». وأشار إلى «أنّني انطلقت من تجارب عشتها شخصياً وتحدثت عنها. وبمجرد أنّني عشتها، لا بد من أنّ هناك عدداً من الناس عاشوها أيضاً بما أنهم يقيمون في لبنان فتفاعلوا معها بشكل جيد».