في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أقدمت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» على مغامرة كبرى تمثلت في كسرها كلّ تقاليد النشرة الإخبارية الكلاسيكية. خرجت على مشاهديها باستديو ضخم، نسي فيه المذيعون والمذيعات حدوداً عرفوها سابقاً، كانت تقف عند الطاولة المستديرة التي يجلسون خلفها. يومها، أطلقت المحطة حملة إعلانية ضخمة وحكي عن مبالغ طائلة صُرفت للخروج بهذه الحلّة الجديدة. غاب المراسلون صورةً في تقاريرهم وحضروا صوتاً فقط، استبعدت وجوه ذات باع طويل في lbci عن نشرة الأخبار واستبدلت بأخرى «أكثر شباباً». في 14 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، خاضت المحطة اللبنانية مغامرة جديدة، مواكبةً العصر الرقمي. أخرجت من قبعتها السحرية حلّة جديدة طالت النشرة الإخبارية واللوغو وموسيقى الجنيريك والغرافيكس. خطوة جاءت بعدما كانت lbci قد كشفت عن قنواتها الأربع وألوانها: الأزرق للقناة الأمّ، والأحمر لتلك المتخصصة بالدراما، والأبيض لقناة الملاحق الإخبارية، وأخيراً الشاشة الخضراء صاحبة الصورة الأكثر نقاوة ودقة HD.
من هذه الألوان، ولد الشعار الجديد للمحطة «الدنيا ألوان»، عبر «باليت» من الألوان المتنوعة التي اتكأت عليها القناة لتعلن «كسر أحادية احتكار السياسيين والمحازبين لها». دشّن رئيس مجلس الإدارة بيار ضاهر اللوك الجديد قائلاً: «لم يبق لنا سوى الأبيض والأسود.
نحن كمواطنين لبنانيين نعتبر أنّ هذه الألوان ملكنا»، ثم استعرض القنوات وألوانها والمعاني التي تضفيها الغرافيكس الجديدة ذات التكعيبات الملوّنة التي «تنتقل بالمشاهد إلى شيء جديد».
أومأ الضاهر بيده من داخل غرفة التحكم إيعازاً بالانتقال إلى الاستديو الجديد. لم يختلف الأخير عن سابقه في المساحة، وطغى عليه الأزرق، فيما بدت وجوه المذيعين/ات أقرب، وفي الخلف مواكبة للخبر المقروء ليس بالصورة، بل بالكلام المكتوب كرؤوس أقلام بيانية. أعيد الاعتبار بشكل قوي للقضايا الإنسانية والاجتماعية التي تصدّرت عناوين النشرة وأخبارها. في الإجمال، أريد للتقارير أن تكون مختصرة بحيث لا تتجاوز مدتها دقيقتين. في كل نشرة، بتنا نرى إضاءة على حالات إنسانية من داخل أحد المستشفيات، وتحديداً الأطفال الذين يعانون من حالات حرجة ونادرة. النازحون السوريون موجودون أيضاً عبر الإطلالة على أحوالهم المعيشية والصحية، وصارت فقرة «نازحون» ملازمة لأي نشرة مسائية. كذلك، بدا واضحاً إعطاء أخبار المنوّعات والمشاهير حيّزاً كبيراً، بينما كانت تجمع سابقاً في تقرير واحد.
المراسلون حضروا إلى الاستديو هذه المرّة لتقديم تقاريرهم، فتدور دردشة صغيرة بينهم وبين مقدمي النشرة لإضفاء حيوية على الأجواء. الدردشة تحصل كذلك بين المذيعين أنفسهم تتضمن مناقشة وجيزة للتقارير بعد عرضها على الهواء. كل ذلك يأتي ليكمّل النفس الأميركي في كسر الكلاسيكية والاعتماد على الشق البصري بشكل كبير. وظهر الأمر جليّاً من خلال إدخال الغرافيكس على النشرة الإخبارية عبر شاشة ضخمة حوت الرسوم والبيانات، ولا سيما الخرائط العسكرية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتطوّرات الميدانية في سوريا. صحيح أنّ مضمون الغرافيكس قد لا يجلب أحياناً شيئاً جديداً غير الجذب البصري، لكنّه بالتأكيد يعيد ترسيخ المعلومة ويعطي بعداً جمالياً للنشرة. على صعيد المضمون ورفع المحطة شعار الحيادية وتقديم «الألوان» كلها، فقد نأت lbci في الشأن السوري عن كل الأوصاف، وقدّمت الأخبار مكتفيةً بعبارة «سوريا» مع مفردات كـ«الأزمة السورية»، لتصبح في ما بعد على شاكلة رسمة تجمع جنديين يقفان وجهاً لوجه، يحمل كل منهما العلم الذي يمثّله، موالياً كان أو معارضاً.
هذه القاعدة طُبّقت في الشكل فقط. أما على صعيد المقاربة السياسية، فهناك نقاش آخر. إذ ما زال يطغى عليها نَفَس التشفّي، وتحديداً في بعض الريبورتاجات التي تتعلّق بفترة الوجود السوري في لبنان والضربات الإسرائيلية لسوريا.
«الشاشة صغيرة وبتساع الكل»، «صوت الكل بنفس الصورة»، «مع كل الناس ومش مع حدا». شعارات تطايرت على الطرقات ومعها ألوانها. مساحة بيضاء أفردتها lbci، شكلت هويتها الجديدة، ليرسم فوقها المشاهد ألوانه الخاصة، ويكون خارج التحزب والتخندق. هكذا، ارتأت الشاشة اللبنانية إظهار نفسها كجهة «محايدة» تضم كل الفئات في بلد يعاني من الاصطفافات السياسية والأيديولوجية. لكن، هل يوجد مكان لـ«لا لون» في لبنان؟ صحيح أنّ الأحزاب «سرقت» الألوان واحتكرتها، لكن هل ستنجح «المؤسسة اللبنانية للإرسال» من خلال ما أنتجه «مرسمها» الخاص في إقناع الناس بأنّه «أنا أمثّلكم جميعاً»؟ وحده الوقت كفيل بتظهير هذه الضبابية، وصدقية ما يطرح من شعارات.

يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab