في عام ٢٠٠٩ وبعد عمليات مشابهة عدة، قام أربعة قراصنة صوماليين بالهجوم على سفينة شحن أميركية «مايرسك ألاباما» في المياه الدولية. كانت تلك الحادثة الأولى من نوعها ضد سفينة أميركية منذ ٢٠٠ سنة. أقدمت هوليوود هذا العام على إنتاج فيلم يرتكز على مذكرات قبطان السفينة نفسها ريتشارد فيليبس (A captain's duty: Somali pirates٬ navy seals and dangerous days at sea)
تعوّدنا في السينما الهوليوودية على إنتاج أفلام تقدم بطلاً أميركياً يخلّص العالم من العدو (الروسي، أو الياباني أو العربي...) بحسب السياسة التي تتبعها أميركا والبروباغندا التي تريد نشرها. في الكثير من الأحيان، تخدم السينما السياسة في أميركا، فمن يشاهد كل أفلام «رامبو» منذ الثمانينيات ويقارن بين «العدو» الذي يجب القضاء عليه والإستراتيجية السياسية الأميركية، يلاحظ جيداً هذه العلاقة بأكثر أشكالها سذاجة.
لكن «الكابتن فيليبس» ليس فيلماً آخر عن البطل الأميركي والعدو «الآخر». مع أنّ الشريط يحمل اسم قبطان السفينة كعنوان، إلا أنه لا يطرحه كمخلّص، والأهم أنّ الفيلم يؤنسن «العدو» أو «الشرير» المُمَثَّل في القراصنة الصوماليين الأربعة ويؤنسن أيضاً «الخَيِّر» الأميركي المُمَثَّل بفيليبس.
يطرح المخرج البريطاني بول غرينغراس معالجة للحادثة تحمل طبقات عدة، تحثّ المشاهد على التفكير والمساءلة، وهو الأمر الذي لم نتعود أن نراه في الأفلام الهوليودية «الُمَسَيَّسة». مع أنّ «الكابتن فيليبس» يبدو في الظاهر فيلم تشويق ومغامرة، فأحداثه كلها (مدته ١٣٤ دقيقة) تجري على السفينة في عرض البحر حيث نتابع معركة القراصنة الأربعة مع قبطان السفينة الذي يحاول بكلّ شجاعة أن يحمي طاقمه، إلا أنّ الشريط يتخذ مجرى آخر في نصفه الثاني عندما يأخذ الصوماليون فيليبس كرهينة وتبدأ المفاوضات.
يركز المخرج في هذا الجزء على علاقة القبطان الأميركي فيليبس (توم هانكس) والقبطان الصومالي ميوز. في أحد الحوارات، يقول ميوز لفيليبس: «حلمي أن أذهب إلى أميركا وأشتري سيارة». ويقول الأميركي: «هذه السفينة تحمل مواد غذائية لأفريقيا وربما للصومال». هذه الحوارات تشعرنا بقساوة العالم الذي نعيشه، ونظام العولمة الذي يجعل من كل فرد أميركياً أو صومالياً خادماً له. اختيار المخرج أن يجسد شخصية فيليبس النجم توم هانكس كان موفقاً وجريئاً. استطاع هانكس أن يشعرنا بتعقيد الشخصية وضياعها ولم يحوّلها إلى كاريكاتور «الرجل الأميركي الشهم». جرأة المخرج تكمن في وضع ممثل صومالي غير معروف (برخاد عبد الرحمن) قبالة هذا الممثل الضخم من دون أن نشعر بفروقات في الأداء، لا بل إنّنا نستطيع القول إنّ ميوز وفيليبس هما تقريباً بالتساوي أبطال الفيلم. أحد أقوى عناصر الفيلم هو هذا التوازن في التمثيل بين الأميركيين والصوماليين، فالكل يؤدي دوره بامتياز.
صوّر غرينغراس الشريط بلغة سينمائية خاصة متماسكة ومتجانسة من الأول إلى الآخر. خياراته في الكاميرا المحمولة والمونتاج الذي يقطع في اللقطة نفسها واستعمال «الزوم»، كانت واضحة خدمت محتوى الفيلم. «الكابتن فيليبس» فيلم لمخرج، هو ليس سينما مؤلف بالمعنى المتعارف عليه لكنه فيلم هوليوودي جيد جداً، وقد اشتقنا إلى هذا النوع من الأفلام حيث توظف إمكانات الصناعة الهائلة في مُنتَج ذكي وناجح معاً في شباك التذاكر.
يكلل المشهدان الأخيران عمق وذكاء الفيلم. يجلس هانكس مضرجاً بالدماء في السفينة بعد مقتل الصوماليين والقبض على قبطانهم. مشهد مؤثر. نرى رجلاً لم يفهم ماذا حدث، فالنظام أقوى منه، أقوى من «البطل» و«الشرير» ينظر إلى الدماء على قميصه، ويقول «هذا ليس دمي»، نهاية ليست سعيدة لنظام يطحن كل من يقف في طريقه. «الكابتن فيليبس» أو «حوار البطل الأميركي والآخر الشرير» فيلم قطعاً للمشاهدة.



Captain Phillips: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)، «سينما سيتي» (01/899993)