فجأة، يصبح الفارق هشّاً بين الواقع والحياة الافتراضية. تحدّث كثيرون في السابق عن أنَّ الإنترنت لن يكون له يوماً أثر حقيقي على الواقع. لو أنّهم عاشوا حتى هذه اللحظة، لتَفَاجأوا بعدم صوابية هذا الكلام. لا ريب أنَّ الطالبة في قسم التمريض ك. ع. (تدرس القبالة القانونية) في «جامعة القديس يوسف»، قد تكون المثال الحي والواقعي على أنَّ الحياة الافتراضية قد يكون لها الأثر الأبلغ، لا بل الأسوأ، على حياتك الواقعية.
انتقلت الصورة إلى الجامعة والمستشفى اللذين طردا الطالبة

قبل أيام؛ نشرت هذه الطالبة صورةً لها على انستغرام وهي ترتدي ثوب "الممرضة" حيث تتدرب/ تعمل في «مستشفى أوتيل ديو». وكتبت تحتها تعليقاً جعل الدنيا تقوم ولا تقعد. ولا نعني بالدنيا هنا "العالم الافتراضي" بل العالم الحقيقي والحقيقي جداً. كانت الجملة المكتوبة لتبدو «مضحكة» بعض الشيء، لو أنّها لم تحمل معنى مخيفاً إلى حدٍ كبير:be careful b**** cz we can kill your babies one day؛ أي «احذرن، لأننا نستطيع قتل أطفالكن ذات يوم». طبعاً بحسب المنشور، لا يبدو هذا الكلام موجّهاً إلى أحد. هو على عادة مزاح الشباب والمراهقين، لا يقصد أحداً معيناً، بمقدار ما يكون القصد منه "تسلوياً" متحدياً لا أكثر ولا أقل. هي عادةُ الشباب، كأن يتصوّر أحد وهو ينظر متحدياً، أو يحمل قطعة سلاح أو سواها من الصور التي قد تعتبر مشينةً أو لامنطقية أو حتى غير أخلاقية. لكن من المؤكد أن هذه الصبية لم تكن تقصد أبداً أن تتطور الأمور إلى الحد الذي وصلت إليه. متدربة التمريض التي نشرت الصورة، جعلتها «خاصة» (private)، لكن بما أنّها «متبوعة» (Followed) من قبل آلاف، كان من الصعب أن تبقى الصورة "خاصة". هكذا، قام أحد الأشخاص في لحظةٍ ما بـ"تاغ" (Tag) لجامعة الفتاة، ما كلّفها بشكلٍ سريعٍ للغاية الإيقاف عن الدراسة، والطرد من الكلية، وبالتأكيد الطرد من الوظيفة حيث تتدرّب.
على الجانب «الافتراضي» نفسه، كان مفاجئاً أنّ «التعليقات» على الصورة كانت عادية في البداية. إلا أنه بعد فترة زمنية وجيزة، أصبحت «شخصية» و«مهينة» بحق الفتاة، فسارع كثيرون إلى توصيف الفتاة بكلماتٍ سيئةٍ ومهينة وبشكلٍ شخصي، مع أن من المنطقي أن نفهم بأنَّ الفتاة ــ المخطئة حتماً ــ لم تفعل ذلك بدافع إيذاء أحد، بل كما أشرنا كنوع من "الطرافة" والمزاح"، وهي سمة يمارسها الشباب في الغرب اليوم تحت ادّعاء "القوّة" من خلال تقليد مجرمي الأفلام، والشخصيات الشريرة واستعارة "جملهم" و"كلماتهم". تحوّل الموضوع سريعاً إلى نقاش بين "الأخلاق" والمقبول والمرفوض، وكيف أنَّ "مهنة التمريض" باتت تفقد شيئاً من ملائكيتها وسواها من النقاشات الجانبية، مع أنَّ الموضوع الذي الحديث عنه هنا، بعيداً عن "بوست" صغير لفتاة ساذجة، هو: من لم يأخذ "صورة" مشابهة أثناء صباه "مدعياً" القوة أو الجمال أو حتى المباهاة بشيءٍ ما؟
باختصار، ما حدث يثبت يوماً بعد يوم أنَّ العالمَين الافتراضي والحقيقي باتا متداخلين بشكلٍ كبير، وما مسارعة الدول جميعها إلى إيجاد قوانين ضابطة و«حازمة» تحكم وتضبط الفضاء الإلكتروني، إلا دليل واقعي وملموس على أنَّ هامش الفارق بين العالمَين بات صغيراً للغاية، أو ربما غير موجودٍ البتة!