منى عبد العظيم أنيس *سمعت عن محمد دكروب قبل أن أراه بسنوات طويلة. كان والراحل الكبير حسين مروة وراء نشر أول كتاب لأبي عبد العظيم أنيس وصديقه محمود أمين العالم «في الثقافة المصرية». ثم التقيته في بيروت الحرب الأهلية في الثمانينيات، وبعدها صرنا أصدقاء نلتقي كلما جاء الى القاهرة أو ذهبتُ إلى بيروت. عندما التقيته للمرة الأولى، كنت في زيارة طويلة نسبياً لبيروت للتعرّف إلى واقعها بعد الاجتياح الإسرائيلي، وكنت أقيم في فندق «البوريفاج» في الرملة البيضاء، نزيلة وحيدة لا يشاركني في الفندق أحد، رغم توافد رواد كازينو القمار ليلاً.

وفي هذا الجو الموحش، كنت أذهب يومياً الى شقة دكروب القريبة، حاملة وحشتي وأسئلتي الكثيرة عما يجرى في لبنان من حروب متعددة، لأخرج بعد ساعات من الدفء معه هو وزوجته الروسية وطفلتيهما أكثر اطمئناناً وأملاً في المستقبل. التفاؤل التاريخي كان بضاعة هذا الجيل من الشيوعيين العرب، ومحمد دكروب كان ماكينة أمل وشحذ للهمم. ترى، هل بقيت هذه الصفة معه حتى النهاية؟ كيف استقبل الربيع العربي؟ لطالما تمنيت أن أعرف ما الذي كان سيقوله أبي ورفاقه عن أيامنا الملتبسة هذه. رحم الله محمد دكروب رحمة واسعة بمقدار ما أعطى من جهده وحياته.
* صحافية ومترجمة مصرية