أطلقت «الجمعية اللبنانية لتطوير وعرض الفنون» (APEAL) أمس «الإقامة الفنية في بلدة رأس مسقا» (RMAR) خلال مؤتمر صحافي عقدته في أحد المطاعم في منطقة مونو (الأشرفية ــ بيروت). المشروع الذي سيبدأ بعد غدٍ الجمعة، برعاية وزارة الثقافة، يجري عبر برنامج «متحف قيد التأسيس» الذي ستفتتحه APEAL في عام 2020، بالتعاون مع جمعية «منصة فنية مؤقتة» (.T.A.P)، وبالشراكة مع بلدية رأس مسقا (قضاء الكورة ــ شمال لبنان) و«معهد الفنون الجميلة» (فرع الشمال) في «الجامعة اللبنانية» و«جامعة القديس يوسف» و«الجامعة اللبنانية الدولية».
اختارت لجنة تحكيم متخصصة ستّة فنانين لخوض هذه التجربة الفريدة التي سبق لـ«منصة فنية مؤقتة» تطبيقها في بلدة مزيارة الشمالية في عام 2014، بدعم من البلدية. الفنانون الستة آتون من خلفيات ومدارس متنوّعة بين الفن البصري، والكتابة، والإخراج، والموسيقى، والتصوير الفوتوغرافي، وهم: علي الدراسه (1983)، يمنى جيداي (1989)، ريمون جميّل (1986)، إيفا سودارغايت (1988)، بترا سرحال (1983) وميريام بولس (1992).
لكلّ من هؤلاء خصوصية فنيّة ورؤية مختلفة. يعمل علي الدراسه بين برلين وتورونتو ومونتريال، في مجالات الفيديو والتجهيز والأداء والطباعة، متناولاً مواضيع الهوية ومفاهيم الذات والتاريخ الشخصي وغيرها. في عام 2014، قرّرت يمنى جيداي الاستقرار في لبنان لفهم بلدها بطريقة أفضل، ولا سيّما أنّها مولودة في كندا. تحمل الفنانة الشابة شهادة الماجستير في التصوير الفوتوغرافي من «المدرسة الوطنية للتصوير الفوتوغرافي» في مدينة آرل الفرنسية، ويتمحور عملها حول فهم الصراعات بين الحضارتين الشرقية والغربية عن طريق التشكيك في تعريف ومصادر صور كلّ منها، فيما تشتغل على التجهيز والتصوير الفوتوغرافي والفيديو والوثائقيات.
ريمون جميّل الذي تخرج في «كلية غليندون» في «جامعة يورك» (تورنتو) عام 2009، سبق أن شارك في «أشغال داخلية» (لـ«أشكال ألوان») بين عامي 2013 و2015. لم تدرس إيفا سودارغايت التصوير الفوتوغرافي، بل تعلمته بنفسها، فهي تحمل شهادة بكالوريوس في الهندسة المعمارية من «الجامعة اللبنانية الأميركية». والدا سودارغايت أحدهما لبناني والثاني من ليتوانيا، وتنقلت في طفولتها بين لبنان وليتوانيا والإمارات، قبل أن تستقر في بيروت. هذا التنوّع طوّر اهتمامها بسيميائية البيئة المبنية ومسألة «الأرض». تعتبر مقاربة إيفا الفنية مفاهيمية غالباً، ومستوحاة من ممارستها المعمارية. أما بيترا سرحال، فهي كاتبة ومنتجة وممثلة وفنانة أدائية، تخرّجت من قسم المسرح في «كلية الفنون الجميلة» في «الجامعة اللبنانية»، قبل أن تنال شهادة الماجستير منTrinity Laban Conservatoire of Music and Dance في بريطانيا. هي حاصلة أيضاً على جائزة عن دورها في مسلسل الويب «فساتين» في «مهرجان مرسيليا للويب» (2013).
آخر الفنانات على اللائحة هي ميريام بولس الحائزة شهادة ماجستير في التصوير الفوتوغرافي من «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة» (ALBA). خلال فترة الدراسة، ركّزت ميريام على حياة الليل في بيروت إلى جانب المجتمعات الصغيرة المؤلفة من العاملات والعمّال الأجانب. تمزج بولس في أعمالها بين التقرير والبحث الشخصي، وفي الوقت نفسه تكتشف وطنها لبنان، ساعيةً إلى اكتشاف طريقة انتمائها إلى مدينتها بيروت.
على مدى شهر كامل، سيتمكن هؤلاء من اكتشاف بلدة رأس مسقا القديمة، والتفاعل مع محيطها، وبيئتها الثقافية والأكاديمية، وبالتالي التعبير عن الواقع المعيش، كلّ بأسلوبه وضمن سياق عمله وتخصّصه. سيركّز المشروع على نقطة أساسية هي «التربية الثقافية»، على أن يستلهم الفنانون من رأس مسقا لإنجاز أعمالهم الإبداعية، عبر الاحتكاك المباشر مع السكان وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وحياتهم اليومية وطبيعة المنطقة وتاريخها.
باختصار، يهدف المشروع إلى خلق تواصل بين أشكال التعليم الرسمي للممارسة الفنية والبحث من جهة، والبرامج الأكاديمية للجامعات من جهة أخرى. ويتوخّى بحسب المنظمين «فسح المجال أمام طلاب الجامعات في رأس مسقا للتفاعل مع ناشطين أساسيين في الحقلين الفني والثقافي، عبر حلقات نقاش وحوار طوال فترة الإقامة». كما سيسهم البرنامج في «تخطي الحواجز الثقافية والدينية، والتفاعل انطلاقاً من قدرة الفن على إرساء مفاهيم الوحدة والتعايش والكرامة الإنسانية...».
مديرة «منصة فنية مؤقتة» والقيّمة على «الإقامة الفنية في بلدة رأس مسقا»، أماندا أبي خليل، أوضحت أنّ اختيار رأس مسقا تحديداً جاء على خلفية «رمزيتها كبلدة لبنانية نموذجية تقع في منطقة مثالية، ولا تزال تحافظ على هويتها الريفية، رغم قربها الشديد من طرابلس ومجاورتها للبحر، فضلاً عن تنوّعها الطائفي». تشدد أبي خليل على أهمية الجانب «غير الرسمي» للمشروع في إنجاحه، آملةً نقل التجربة إلى مناطق لبنانية أخرى بعيدة عن العاصمة: «لكن المسألة بحاجة إلى دعم».
برنامج «متحف قيد التأسيس» سيبصر النور عام 2020 في منطقة المتحف

من جهتها، تؤكد ممثلة APEAL ندى الخوري أنّ «الإقامة الفنية في رأس مسقا» تأتي في سياق برنامج «متحف قيد التأسيس» الذي سيبصر النور في عام 2020 في منطقة المتحف في بيروت، وسيشكّل مركزاً ثقافياً جديداً يسلّط الضوء على الفن الحديث والمعاصر في لبنان والمنطقة. هكذا، ينطلق مشروع «الإقامة الفنية» من هدف المتحف ورؤيته لنشر الفن في كلّ المناطق اللبنانية، وخصوصاً أنّ الفن «يطوّر الناس. فكيف إذا كانت الظروف مشابهة لما نمرّ به اليوم»، وفق ما تقول الخوري لـ«الأخبار». وتشدّد على أنّه لا يمكن مقاومة كلّ الشواذ «إلا عبر الفنان. ولعلّ معاناة طرابلس والشمال عموماً خلال السنوات الماضية تعتبر عاملاً أساسياً لانطلاق هذه التجربة من هناك».
وسط زحمة الناس والصحافيين، نسرق بعض الوقت للحديث مع عيّنة من الفنانين المشاركين في هذا المشروع. يشرح ريمون جميّل لـ«الأخبار» أنّه أراد من وراء الانضمام إلى فريق العمل «خوض تجربة جديدة على تماس مع الناس وعلى الأرض»، مضيفاً «أعتقد أنّه يمكنني المساهمة في مساعدة الناس هناك في التعبير عن أنفسهم فنياً». لا ينكر جميّل وجود إشكاليات عدّة، منها سؤال حول مدى جدوى الفنون المعاصرة «في هذا الإطار وبلوغ هدفها هناك (رأس مسقا)».
هي ليست المرّة الأولى التي تشارك فيها بيترا سرحال بمشروع إقامة فنّية، إذ خاضت هذه التجربة في الولايات المتحدة مثلاً. وإقامة مشروع مماثل في لبنان شكّل عامل جذب كبير لها. تلفت في حديثها إلى «الأخبار» إلى أنّها متحمّسة لـ«اكتشاف المنطقة واختبار فرصة العمل المباشر مع الناس. عندها سأعرف كيف يمكنهم الإفادة منّي والعكس صحيح».
على صعيد برنامج الإقامة، حضّر المنسّق الفني للمشروع الزميل روي ديب أنشطة كثيرة، مشيراً إلى «حرصنا على تلبيته أهداف الإقامة الفنية، وتطلعات الفنانين المشاركين فيه، وطموحات المجتمع المحلّي، وفق رؤية فنية مجتمعية تلامس الواقع وتحاكيه». يتضمن البرنامج محاضرات وندوات حوارية مجانية مفتوحة كلّ يوم ثلاثاء في «معهد الفنون الجميلة» في «الجامعة اللبنانية» (فرع الشمال). البداية مع «سياسات المؤسسات الفنية والثقافية لمخاطبة جمهور متنوّع» (22 آذار) التي ستتحدّث خلالها أماندا أبي خليل، ومديرة «متحف سرسق» زينة عريضة، ومديرة «سينما ميتروبوليس» هانية مروّة، والمهندسة اللبنانية منى حلّاق. ثم يأتي دور المخرج والفنان اللبناني أكرم زعتري (29 آذار)، وأخيراً مؤسس ومدير غاليري «أجيال للفنون التشكيلية» صالح بركات (5 نيسان/ أبريل).
وسيتخلل البرامج أيضاً عرض أفلام وثائقية لمخرجين لبنانيين أيّام الآحاد مثل «النادي اللبناني للصواريخ» (إخراج جوانا حاجي توما وخليل جريج ــ 20 آذار)، و«خارج الحياة» (إخراج مارون بغدادي ــ 27 آذار)، و«ليالٍ بلا نوم» (إخراج إليان الراهب ــ 30 نيسان)، و«يامو» (إخراج رامي نيحاوي ــ 10 نيسان/ أبريل)، فضلاً عن عرض مسرحي تفاعلي بعنوان «مشرح وطني» لفرقة «زقاق» (12 نيسان).
أمام هذه المروحة المنوّعة والغنية من الأنشطة، يتمنى روي ديب أن يتمكن الجميع وخصوصاً طلاب الجامعات في الشمال من الإفادة منها إلى أقصى الحدود.