عندما عرض الصحافي جون دوموكوس فيلمه الوثائقي «السير معاً: رحلة عائلة سورية إلى قلب أوروبا» (17 دقيقة ـــ «الأخبار» 15/9/2016) على موقع صحيفة «غارديان» البريطانية، ذكرنا أنّ عشرات الصحافيين السوريين شقوا طريقهم وسط البحار والغابات وتعرّضوا لمواقف مثيرة في رحلة لجوئهم المحفوفة بالمصاعب والمخاطر من دون أن يخطر في بال أحدهم حمل كاميرا وتسجيل ما حصل، بل إنّهم تركوا مهمة توثيق معاناتهم للصحافة الأوروبية. لكنّ رداً عملياً وأكبر مما كنا نتوقع، جاء أخيراً على يد الشاب الفلسطيني السوري قتادة أبو يونس الذي أسس منذ فترة «نبض الأوريسند» وهي ثاني صحيفة ناطقة باللغة العربية في السويد، بعدما صدرت قبلها جريدة اسمها «الكومبس» Alkompis.se أي «الصديق». أما «نبض الأوريسند»، فهي دورية شهرية صدر منها تسعة أعداد حتى الآن، وستتحول لاحقاً إلى جريدة نصف شهرية. علماً أنّ «أوريسند» هو اسم الجسر الذي يصل الدانمارك بمدينة مالمو السويدية.
سرعان ما طوّر أبو يونس هذا المشروع الإعلامي مع مجموعة من أصدقائه اللاجئين السوريين والعرب بشراكة مع الطلاب السويديين والدانماركيين في جامعة «مالمو» ليصل إلى صيغة نهائية هي تلفزيون ناطق باللغة العربية يحمل الاسم نفسه، ويبث عبر شبكة الانترنت. وقد بدأ التلفزيون بثه التسجيلي، على أن يتحول بعد مرحلة وجيزة إلى مرحلة البث المباشر. وسيعمل القائمون عليه ليدخل شبكة «الكايبل» ومن ثم يصبح بثه فضائياً إذا تمكن من تحصيل التمويل المناسب، بخاصة أنّ الحكومة السويدية ممثلةً ببلدياتها تدعم أي مشروع شبابي إبداعي يقام على أراضيها بغض النظر عن صاحبه، لكنها تضمن شراكتها في هذا المشروع من خلال تحصيل ضرائب.
تهدف القناة إلى مساعدة اللاجئين في تدبّر حياتهم اليومية وفهم أمور بسيطة تتعلق بمجتمعهم الجديد

في حديثنا معه، يشرح قتادة أبو يونس الذي أتى السويد من مخيم اليرموك في سوريا، عن فكرته ومدى أهميتها ودخولها كلاعب فعلي في حياة اللاجئين السوريين والعرب الذين يصلون الى السويد تباعاً. يقول: «استقينا فكرة التلفزيون من خلال تصوير مقاطع فيديو، وبذريعة التطور التكنولوجي الحاصل ومتطلبات المتابعين. في عصر السرعة، أصبح المتابع يفضل الفيديو على القراءة. أضف إلى ذلك الفقر الإعلامي في السويد والدول الاسكندنافية وغياب التنوع كما هو حاصل أيضاً في الجزء الآخر من القارة العجوز أي فرنسا وبريطانيا. أما السبب الأهم لإطلاق هذا المشروع، فهو الحاجة الماسة في هذه الفترة إلى أداة إعلامية تساعد القادمين الجدد في تدبير حياتهم اليومية وفهم أمور بسيطة ستسهّل حياتهم بشكل كبير في المجتمع الجديد». أما عن أهداف التلفزيون ومراحله، فيفصح الشاب السوري: «المرحلة الأولى تتمثل في مساعدة الوافد الجديد من سوريا وعموم الدول العربية في الاندماج وفهم الحياة في السويد مع تسهيل أموره الحياتية البسيطة. أما المرحلة الثانية، فستكون مع بدء مرحلة النقاش والحوار الداخلي. هنالك مشاكل كبيرة في الجالية العربية داخل السويد، وهي تؤثّر بدورها في المرجعيات السياسية واتخاذ القرارات في الدولة. كذلك، هنالك أخطاء عند الجاليات العربية يجب الحديث عنها بين بعضنا بعضاً، ونقاشها كي نصل إلى حلول وفهم أعمق ونحسّن من صورتنا هنا بشكل عام. وأخيراً، تأتي المرحلة الثالثة وهي جزء من المرحلة الثانية، وتتعلّق بالتثقيف السياسي، وتحفيز الجاليات العربية على دخول معترك الحياة السياسية من أوسع أبوابها، وفي مختلف مراحلها بدءاً من التصويت لحزب معين، مروراً بالمشاركة السياسية وصنع القرار الذي من شأنه الحفاظ على حقوق الأقلية أي «الجالية العربية» والمساهمة في تطوير وتقوية السويد، فهو الوطن الذي نعيش فيه الآن وعلينا العمل مع أهله للحفاظ عليه وتطويره لا تخريبه».
أما عن مراحل البث، فيوضح أبو يونس أنه سيعمل على ثلاث مراحل بدأت الأولى من خلال البث التسجيلي على الشبكة العنكبوتية، وسيتحول في فترة وجيزة إلى البث مباشر. ثم سيصبح البث من خلال أجهزة نقل واشتراك في السويد، بالاتفاق مع شركات بث خاصة، ليدخل بعدها مرحلة «الكايبل»، وأخيراً من الممكن الانتقال إلى البث الفضائي بحسب حجم التمويل، الذي سيكون نوعاً من الخدمات الإعلامية التي تقدم «المشاهدة حسب الطلب» على غرار خدمات عالمية شهيرة وعصرية مثل «نيتفليكس». أما بالنسبة إلى التمويل الحالي، فالتلفزيون والصحيفة الورقية يتم تمويلهما ذاتياً عن طريق الاعلانات، ونحن نحاول الآن الحصول على تمويل من قبل الدولة السويدية ومنظمات عديدة مختلفة».
من بين الصحافيين الذين باشروا العمل مع الجريدة والتلفزيون الصحافية السورية وسام حمود التي كانت تعمل في جريدة «الوطن» شبه الرسمية داخل دمشق، إلى جانب راديو «نينار». لكنها حالما انتقلت إلى السويد، انضمت إلى فريق «نبض الأوريسند» لكنها حتى الآن تعمل من دون مقابل مالي كون المشروع في مراحله التأسيسية. تلك أيضاً حال كل الفريق الإعلامي المتحمّس الذي أطلق مشروعاً مثمراً وبدأ برسم صورة ساطعة عن بلدهم العريق، عساها تجابه الحملات العنصرية التي تهدف إلى تشويه صورة اللاجئين السوريين وتحميلهم وزر أي كارثة تقع في تلك البلاد الباردة!

موقع التلفزيون والصحيفة على الانترنت
http://oresundspuls.com