مع صدور الجزء الثاني من «الأعمال الشعرية الكاملة» (دار الساقي) لأدونيس (الصورة)، تعود التساؤلات عن معنى أن تصدر طبعة جديدة من شعره الذي سبق أن صدر في طبعات عدة؟ وماذا يمكن أن تقول تجربته التي بدأت منتصف القرن الماضي ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
يضم الجزء الجديد ثلاثة دواوين: «كتاب التحولات والهجرة في أقاليم الليل والنهار» و«المسرح والمرايا» و«هذا هو اسمي». وهي الدواوين التي جاءت بعد الذروة الأولى التي وصل إليها الشاعر في ديوانه «أغاني مهيار الدمشقي» الذي صدر عام 1961، وشكّل الثالوث الأكثر حداثة وطليعية في مشروع «مجلة شعر»، إلى جانب «حزن في ضوء القمر» (1959) لمحمد الماغوط، و«لن» (1960) لأنسي الحاج. وإذا كانت نبرة الشاعر قد استقرت أكثر بعد ذلك في خصوبتها المعجمية والتاريخية، فإنها ظلت على صلة قوية بتراث الشعرية العربية، وظل صاحبها يدعو – في الوقت نفسه – إلى تحديث هذا التراث. طموحاتٌ مثل هذه أبقت تجربة أدونيس في دائرة نقدية وقرائية محكومة بالانقسام حول «نخبوية» هذا الشعر، وحول التحديات الفلسفية والبلاغية والرؤيوية التي يستطيع الشعر أن يحملها، وأن يظل في متناول القارئ العادي.
«شعرية الرؤيا» لدى صاحب «مفرد بصيغة الجمع» جعلته «خالق استعارات»، بينما كثافة الأفكار والتنظيرات في مؤلفاته النثرية جعلته «مفكّراً شعرياً». داخل هذين التوصيفين، تحوّل جزء كبير من شعره إلى صُنعة فكرية، وصارت القصيدة ممارسة شبه تطبيقية لأسئلته النظرية حول الحداثة والتراث، ومناصرة المتحوّل ضد الثابت في الثقافة العربية. الحمولة النظرية طردت شريحة واسعة من القراء، ولكنها كسبت جدلاً عميقاً لدى شرائح أخرى. جمهور أدونيس الحقيقي مؤلف من شعراء ونقاد ودارسين مختصين. حرّره شعره من قراءات ساذجية وشعبوية، إلا أنه «خسر» الجمهور العريض الذي نجح شعراء آخرون في الاستيلاء عليه. بين هذا وذاك، حظي أدونيس بعداواتٍ حقيقية ومجانية معاً. عداواتٌ صارت أشرس في زمن «الربيع العربي» الذي رفضه أدونيس. ولعل صدور أعماله الكاملة في هذا الزمن «بضاعةٌ» مناسبة للذين هاجموا مواقفه السياسية، وخصوصاً موقفه مما يجري في سوريا. الكثير من هؤلاء لا يميزون بين الشعر وصاحب الشعر. شتم الشعراء بسبب مواقفهم غير المؤيدة للربيع العربي صار جزءاً من النضال الثوري في هذه الأيام. وأدونيس سيكون مجدداً في عين العاصفة.

يمكنكم متابعة حسين بن حمزة عبر تويتر | @hbinhamza