في العام 2006، خطف السيناريست السوري فؤاد حميرة الأضواء حين قدّم مع المخرجة رشا شربتجي مسلسل «غزلان في غابة الذئاب». يومها، تمكّن حميرة من رفع سقف الرقابة المفروضة على الأعمال السورية، مقدّماً رؤية صدامية دخل فيها العشوائيات السورية وأماط اللثام عن ممارسات حقيقية لأبناء المسؤولين مع تلك الشريحة الفقيرة. قدم هذا من خلال شخصية «سامر البسطات» التي أداها ببراعة واتقان النجم قصي خولي، ليحيل السوريين إلى حقبة سوداء من تاريخهم. في عام 2011، أراد حميرة تكرار التجربة الجريئة عندما أنجز نص «حياة مالحة» ليتصدى فيه لفساد الأنظمة العربية، وسيطرتها على كل مفاصل السلطة. وبالفعل، باشرت المخرجة رشا شربتجي تصوير مشاهده، لكنّ شركة «كلاكيت» المنتجة آثرت تأجيل التصوير فترة وجيزة بسبب انشغال أبطاله الذين كانوا يومها جمال سليمان، وتيم حسن، وقصي خولي. لكن سرعان ما نشب خلاف بين الكاتب والشركة، فأوقف العمل. قبل أيام، عاد الحديث عن هذا النص بسبب رغبة جمال سليمان في تقديم عمل سوري للموسم المقبل.
دخل النجم السوري وسيطاً بين الشركة والكاتب، وبدأ فعلاً التحضير لإعادة إقلاع المسلسل، على أن يتم التصوير في مواقع جغرافية تشبه البيئة السورية (لبنان على الأرجح)، ويتولى حاتم علي مهمة الإخراج، عساه يقدم عملاً سورياً يعيده إلى الواجهة بعد تفرغه لتنفيذ رغبات المحطات الخليجية والشيوخ المسؤولين عنها.
في اتصاله معنا، يؤكد جمال سليمان أنّه يرغب فعلاً في تقديم عمل سوري للموسم المقبل، وعينه على هذا النص منذ فترة طويلة. ويضيف أنّه اعتاد الاكتفاء بمسلسل واحد حتى عندما كان يعمل في سوريا. لذا لا يمكن أن يتفرغ للدراما السورية إلا من خلال مسلسل قوي وجريء يحقق حضوراً ونجاحاً بعد غيابه عامين عنها أي منذ مسلسل «طالع الفضة» (2011).
في مقابل ذلك، يترك سليمان المشروع رهن التزام الكاتب ونشاطه. يقول: «الأمر مرهون بالسيناريست وقدرته على التعديل لأنّ قصة العمل مثيرة، لكنّها لم تعد صالحة كما هي بعد هذه الأحداث. لا بد من إجراء تعديل جذري على الشخصيات». قصة المسلسل ــ بحسب ملخصه القديم ــ تغوص في عوالم أحد كبار المسؤولين السوريين الفاسدين الذي يُدعى أبو جرير (جمال سليمان). يكتشف الأخير فجأة أنه مصاب بفيروس الإيدز، فتبدأ محاولاته الدؤوبة لطمس الحقيقة، والافادة من كل يوم يعيشه. هكذا يقرر مع شقيق زوجته، التخلّص من الأخيرة لأنها تحمل الفيروس نفسه ويمكنها فضحه. ثمّ يفاوض سائقه وزوج ابنته ليساعده في التخلّص من زوجته الثانية... الحامل!
مع تطوّر الأحداث، يكتشف جرير (يُفترض أن يؤدي دوره تيم حسن) هذا السرّ، ونراه يكشّر عن أنيابه، ويبدأ عملية القمع والبطش. لكن أين ستكون كل تلك الأحداث من الزلزال الذي ضرب سوريا؟. يؤكد لنا فؤاد حميرة أنّه باشر التعديل وسيجهد لدفع الأحداث سنة إلى الأمام «سنجعل الأحداث تتخلّل النص بعد أن تسير القصة إلى حوالي منتصف العام الفائت». وعن إمكانية أن تفكر الشخصية الرئيسة في الانشقاق عن النظام مثلاً، يجيب حميرة بأنه يستبعد أن تذهب شخصيته إلى هذه الخيارات. من جانب آخر، لم يفتح كاتب «رجال تحت الطربوش» صفحة الخلاف مع الشركة المنتجة وتفاصيله، بل اكتفى بأن يكون الاتفاق المباشر مع نجم العمل جمال سليمان من دون التعاطي مع صاحب الشركة ومديرها.