في ذروة الحديث عن النازحين السوريين في لبنان، أتى عرض فيلم كارول منصور (1961 ــ الصورة) «نحنا مو هيك» (70 د) أمس في «متروبوليس أمبير صوفيل» ليضع الإصبع على الجرح. اختارت المخرجة اللبنانية في شريطها الوثائقي موضوع النازحين السوريين الذي يعدّ كارثة إنسانية ستؤثّر حتماً في المستقبل القريب للسوريين، وفي علاقة المجتمعين اللبناني JJ السوري التي تزداد تعقيداً وألماً عند كل مفصل من تاريخ البلدين الحديث. في «نحنا مو هيك»، تركت منصور أبطالها يروون أيامهم المرّة مع النزوح.
حكايات تزيدها مرارةً تصرفات من سيستقبلهم في بلدهم «الثاني» أو بلدهم «الأخ» كما كانوا يتصوّرون، فإذا بهم يصطدمون بعنصرية hجتماعية وطبقية مغلّفة بعذر انهيار الوضع الhقتصادي أو المزاحمة المهنية! ستروي عفراء (23 سنة) خريجة الأدب الإنكليزي في حلب حكايتها بعدما اعتقلت لـ 29 يوماً، فخرجت إلى بيروت ولحق بها أصدقاؤها وشقيقتها ليشاركوها السكن الباهظ في الحمرا. تستمر فصول حكايتها مع بيروت التي لا تستطيع أن تبني معها ومع سكانها علاقة طبيعية. وفي ردة فعل على المأساة، تتغير العادات والتقاليد، وما لم يكن جائزاً في حلب يصبح عاديّاً في بيروت في ظل الأزمة السورية. ثم نشاهد أم عمر (23 سنة) وأم رائد (22 سنة) اللتين خرجتا من دمشق إلى بيروت لتضعا مولوديهما المنتظرين داخل خيمة في حقل ستطوف مياهه وتنتقلان من مسكن إلى آخر على موّال «شو طالع بإيدنا». أما سمر (36 سنة) وهو اسم مستعار لامرأة لن يظهر وجهها في الفيلم، فتروي بحسرة وندم قرارها بتزويج إثنتين من بناتها اللتين تبلغان 16 و14 سنة «بما يرضي الله» خوفاً ممّا تظنّه الأصعب في سوريا أو في لبنان. تتوالى القصص إلى أن تأتي سهام (37 سنة) صاحبة الوضع الخاص كونها لاجئة فلسطينية، ستنزح مرة أخرى بعدما نزحت عائلتها من فلسطين عام 48. ستحمل أولادها الأربعة هاربة من اليرموك الذي خسرت فيه زوجها برصاص القنص، الى مخيم الجديدة في دمشق ثم البقاع الغربي نزولاً الى شاتيلا، ففرن الشباك في رحلة شقاء لا تنتهي.
ثمانية أشهر من البحث واللقاءات والتصوير أدخلت كارول وفريق عملها إلى وضع هذه العائلات. لن تتكلم النساء فقط عن معاناتهنّ، بل يروين أيضاً أشواقهنّ، وأحلامهنّ وحتى تلك الخصوصيات التي تختبئ عادة خلف الحياء الشرقي. كحال جميع من نزح قسراً أو تهجّر تاريخياً، لم يتوقع أحد أن تطول إقامته، ولا يبدو أنّ أحداً يملك جواباً على سؤال طفلتي سهام: «متى ستنتهي الحرب في سوريا؟».