تصدح صفحة «الثورة السودانية» على الفايسبوك بالأناشيد: «ﻳﺎ ﺯﻭﻝ ﻋﻔﻴﻒ. ﺿﻴﻴﻊ ﺣﻴﺎﺗﻮ ﻋﺸﺎﻥ ﻳﺸﻮﻑ ﺍﻟﻌﺎﻓية ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﺍﻟﻜﻔﻴﻒ، ﺳﺎﻕ ﺍﻷﻣﻞ ﺯﻱ ﺭﻳﺢ ﺗﺴﻮﻕ، ﻏﻴمة ﺑﺘﺒﺸﺮ ﺑﺎﻟﺨﺮﻳﻒ»، بينما تنتشر التعليقات التي تهاجم الرئيس عمر البشير ونظامه ووزير داخليته الذي أنكر صور قتلى المتظاهرين واعتبرها مفبركة. وبالتوازي مع هذا اللهيب الافتراضي، تشتعل ساحات السودان من دون أن تدخل هذه الأحداث والتطوّرات في برمجة المحطات الإخبارية، كأنّ السودان سقط سهواً من خريطة الأمة العربية ونشراتها وتغطياتها.
بينما راح التلفزيون السوداني ينقل تصريحات عمر البشير ووعوده بتطهير البلاد وامتداحه للعلاقات الجيدة مع الجنوب، كانت المحطات العربية مشغولة بأمور أخرى. في سوريا مثلاً، حيث لا تزال مدارسها تعتصم بشعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، غابت أحداث السودان عن القنوات المحلية التي انشغلت منذ فترة بتغطية التظاهرات التركية، ثم وضعت ثقلها في تغطية فعاليات ورشة النهوض بالإعلام الوطني التي تعقد هذه الأيام في دمشق. على ضفة مقابلة، حملت قناة «الجزيرة» جهودها التي سبق أن بذلتها في العواصم العربية، نحو قبلتها الجديدة مصر. فقد غرقت سفينة الإخوان هناك، وصار واجباً على قناة «الرأي والرأي الآخر» محاولة إنقاذها. راحت المحطة القطرية تحكي عن عودة المعترضين على «الانقلاب» إلى الميادين في مصر، والتداعيات السلبية لسقوط الإخوان، بينما اكتفت بالتنويه إلى أنّ أوباما أدان الوحشية في قمع التظاهرات السودانية، وشرحت وصف وزارة الخارجية الأميركية تصدي الشرطة السودانية للتظاهرات الاحتجاجية بأنّه «قمع وحشي». ثم أتحفت جمهورها بتصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جينيفر ساكي عن تشديد أميركا على ضرورة وقف كل أشكال العنف بحق الشعب السوداني. فيما لاذت قناة «العربية» بصمت مطبق، على اعتبار أنّ السودان ليس أولوية الآن في حسابات المملكة السعودية التي تموّل المحطة الإخبارية وترعاها. هكذا، تفرغت المحطة للحديث عن المعارك المستمرة في سوريا، فيما أفرد موقعها مساحة كبيرة عن خطوات أسماء الأسد بتقديم واجب العزاء لعائلات القتلى «الذين يسقطون على يد زوجها». في هذا المشهد الفضائي، راحت قناة «الميادين» تبث تقارير عن الاقتصاد السوداني وتدهوره وعن حزب «الأمة» المعارض وزعيمه الصادق المهدي. بقصد أو من دونه، أسقطت غالبية المحطات الفضائية العربية دولة عن خريطة الوطن العربي كأنها تلعب الدومينو حسب مزاج المموّل ومصالحه السياسية!