موفّقاً كان اختيار فيلم «جاذبية» لافتتاح «مهرجان بيروت»، وكذلك اختيار «المهاجرة» لاختتامه. المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون أراد لعمله أن يكون تحفة موقّعةً كلياً باسمه، فهو الذي أخرجه وأنتجه وكتبه، لتكون النتيجة عملاً يصعب أن يسقط من الذاكرة السينمائية. قصة الفيلم الثلاثي الأبعاد تتحدث عن ثلاثة رواد فضاء يعملون في محطة تكون عرضة لعواصف النيازك، ما يؤدي الى ارتطام المكوك الفضائي بحطام قمر صناعي، فيقتل أحدهم فوراً. تجد رائدة الفضاء راين ستون (ساندرا بولوك) محتجزة مع رائد الفضاء مات كاوسكي (جورج كلوني) في الفضاء من دون أوكسيجين كاف، ومن دون اتصال بالأرض. تبدأ قصة تشويق واثارة تمتد الى آخر مشهد في الفيلم.
العمل الذي وصفه جيمس كاميرون بأفضل فيلم فضاء لدى عرضه في «مهرجان البندقية» الأخير، لا تكمن قيمته في القصة فحسب، بل أيضاً في كونه انجازاً في التصوير السينمائي. تؤدي الكاميرا دور الممثل الخفي، فنراها تتحرك بطريقة مدهشة وتدور حول الممثلين حيناً وتنقل الصورة من أعينهما أحياناً كثيرة، فضلاً عن الجهد الاستثنائي في صنع عالم كامل من اللاجاذبية، وما يترافق مع ذلك من ظواهر فيزيائية يراها الإنسان للمرة الأولى في عالم الفراغ، ككتل النار المتجمعة وقطرات الماء المتكورة، فضلاً عن بعض تفاعلات الأشياء في الفضاء، التي لا تشبه ما يحدث على الأرض أبداً. يخيَّل للمشاهد للحظة أنّ العمل صوِّر فعلاً في الفضاء لا في استوديوهات على الأرض.
أما من ناحية التمثيل، فقد اقتصر الطاقم على ممثليْن فقط، ما يضع ثقلاً كبيراً عليهما، ولا سيما ساندرا بولوك، التي شاركت في العمل عن طريق الصدفة، بعد خلافات مع البطلة الاساسية نتالي بورتمان. صحيح أنّ هناك العشرات من الأفلام التي أُنجزت من هذا النوع، إلا أنّ العمل يعد تحفةً تصويريةً لا تشبه أي عمل سابق، حتى إنّ السيناريو يعد ثانوياً وسطحياً أحياناً، لكن قوة الصورة وقوة الأداء كانتا كفيلتين في جعل الفيلم استثنائياً.
أما فيلم الختام، فيختلف جذرياً عن «جاذبية». جيمس غراي لا يشبه زميله كوارون، لا في أسلوبه السينمائي ولا في خياراته التمثيلية، فهو قرر في «المهاجرة» أن يضع الثقل في القصة لا في الصورة. يعيدنا الفيلم الى حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، يوم عادت الولايات المتحدة لتحتل صورة «الحلم» القائم على دمار أوروبا، حين بدأت الهجرة تمثل الخلاص من الفقر والعوز المتربص بالقارة العجوز. تنطلق إيفا سيبولسكي (ماريون كوتيار) وشقيقتها ماغدة إلى نيويورك من بلدهما الأصلي بولندا. عندما تصلان، يكتشف الأطباء أن ماغدا مصابة بالسلّ، فيجري فصلهما لتكمل إيفا حياتها منفردة وتلتقي برونو وييس (يواكين فونيكس) الذي يدخلها عالم الدعارة، ويبدأ استغلالها. القصة قد تكون مكررة، لكنها تكتسب اليوم قيمة إضافية مع ازدياد اعداد المهاجرين القسريين في العالم، وما يعانيه هؤلاء من مآس تجعل قصة جيمس غراي حقيقية أكثر من أي وقت مضى. واللافت أنّ غراي استطاع بناء تفاصيل الحياة الأميركية في العشرينيات بطريقة أخاذة، منتبهاً لتفاصيل تتخطى اماكن التصوير والإخراج البصري لتدرك اسلوب الحياة السائد حينها. أما اداء الثنائي، فكان مثيراً للجدل، وانقسم النقاد حولهما بطريقة عمودية.
إذاً، عملان مميزان سيكونان في انتظار جمهور المهرجان هذا العام، فيعرض الأول مساء اليوم، فيما يختتم الثاني المهرجان في 10 تشرين الأول (أكتوبر)، على أن ينطلق «جاذبية» في الصالات التجارية بعيد انتهاء المهرجان.