القاهرة | لن يترشّح «القائد العام للقوات المسلحة» عبد الفتاح السيسي للرئاسة. الأخير الذي عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي قبل أشهر، أعلن باكراً أنّه لا يرغب في أن يكون رئيساً لمصر. وحتى الآن، لم يصدر عنه أو عن المصادر المقرّبة منه ما يشير إلى أنه قد يتراجع عن هذا القرار.
لكنّ الصحافة المصرية الحكومية والخاصة لا تتعامل مع هذا التصريح على أنّه حقيقة مؤكدة، بل تنشر مقالات تضع السيسي باعتباره المرشّح الأوفر حظاً إذا قرّر خوض الانتخابات. يأتي إجماع الإعلام المصري على السيسي رغم أنّ الشارع مقسوم حالياً بين مَن يعتبر أن ترشّح السيسي يعني بأن ما جرى بعد 30 حزيران (يونيو) الماضي هو انقلاب عسكري، وكان هدفه أن يجلس السيسي على مقعد الرئيس، وهو السيناريو الذي يروّجه الإخوان. فيما يرى كثيرون أنّه يجب إدارة البلد من خلال رئيس مدني، ويظلّ الجيش بعيداً عن السياسة.
لكنّ الصحافة المصرية قرّرت باكراً الانحياز لترشّح السيسي رئيساً، بغض النظر عما إذا كانت قد تلقّت تعليمات سياسية في هذا الإطار. يظهر ذلك جليّاً لدى تحليل التغطيات الإعلامية لحملات المطالبة بترشّح السيسي. الحملة الأولى هي «كمّل جميلك» التي انطلقت قبل أسابيع، مطالبةً السيسي بإكمال ما بدأه في «30 يونيو» والترشّح للرئاسة «بناء على طلب الشعب». كما ظهرت حملة «نريد» التي تقترح أن يكون السيسي الرئيس المقبل بلا انتخابات، بحجة عدم جرّ البلاد إلى فوضى سياسية. وتنشر معظم الصحف تلك الأخبار في صفحاتها الأولى، من دون إلقاء الضوء على خلفيات القائمين على الحملتين، أو تقديم آراء تفنّد الدعوة لوصول رئيس للحكم من دون انتخابات، بعد ثورتين أطاحت الأولى بمحمد حسني مبارك، والثانية بمرسي. وعندما صرّح القائمون على حملة «نريد» بأنهم جمعوا نحو 900 ألف استمارة، لم تحاول الصحف التأكّد من الرقم، أي عكس ما كان يحدث مع حملة «تمرّد» (الاخبار 16/5/2013) التي كانت تغطية نشاطها زاوية يومية في وسائل الإعلام طوال شهرين سبقا تظاهرات الإطاحة بمرسي.
على المنوال نفسه، تطالب مقالات الرأي السيسي بالتراجع عن تعهّده بعدم التفكير في الترشح للرئاسة، إلى درجة أنّ عنوان «السيسي رئيسي» تكرّر في أكثر من مقال، اللهم باستثناء بعض المقالات التي طالبت القائد العام للقوات المسلحة بالحفاظ على موقعه لضمان حماية مصر من الانقلابات السياسية. هذا التخندق الذي اتخذه الإعلام المصري بشقيه الرسمي والخاص حال دون وصول أصوات تنتقد قرارات السيسي على صفحات الصحف، مع الاعتراف بأنّ الأخير نجح في تجاوز أخطاء من سبقوه في إدارة المرحلة الانتقالية الأولى التي سبقت فوز مرسي بالرئاسة.
ليست التغطيات والمقالات الوسيلة غير المباشرة لدعم ترشّح السيسي فحسب، بل إن معظم المقابلات الصحافية مع السياسيين والفنانين، وصولاً إلى الرياضيين تتضمن سؤالاً «هل تؤيّد ترشّح السيسي؟». راحت الصحافة المصرية أبعد من ذلك مع نشر بعض المواقع صوراً للسيسي في مراحل عمرية مختلفة، وزارت صحف أخرى مكان ولادته. ربما تكون كلّها نشاطات صحافية متوقّعة كون المصريين لا يعرفون الكثير عن الرجل الذي أطاح بمرسي، لكنها تعتبر مادة أرشيفية لها، ستصلح للاستخدام الفوري في حال قرر السيسي التراجع والمنافسة على الرئاسة!