صنعاء | هل صارت قناة «الجزيرة» الإخباريّة غريبة على مجالس اليمنيين؟ لقد كانت المحطة صديقتهم، يختارونها شريكةً لهم في مجالس القات اليومية. ما إن يدخل أحدهم جلسة من تلك الجلسات حتّى يرى الأعين مصوّبة نحو الشاشة المثبّتة في جدار المكان. تبثّ برامج القناة القطرية، والنقاش الجماعي يدور حول أخبارها، من مجالس السياسيين إلى مجالس الناس العاديين. كان هذا قبل أيّام فورة «الربيع اليمني» وأثناءه. يعترف اليمنيون بأنّ تلك الفضائية ذات الشعار الذهبي كان لها الفضل في تغطية أخبار ربيعهم، وعرضه للعالم. لكن يبدو أن الأمر تغيّر بعدما وضع ذلك «الربيع» أوزاره. «اتخذت «الجزيرة» موقفاً خاصاً من المنتصرين في تلك الثورة. لقد صارت مع طرف منهم ضد آخر»، يقول ربيع الخميسي، وهو مالك إحدى الاستراحات في صنعاء. يكسب الأخير مالاً من خلال تقديم الاستراحة خدمة عرض قنوات فضائية على روادها «الذين صاروا يفضّلون قنوات «الجزيرة» الرياضية المشفّرة على نشراتها الإخبارية» يضيف الخميسي.
كانت المحطّة القطرية محلّ انتقادات النظام السابق بسبب انهماكها في تغطية فعاليات «الثورة»، وتعرّضت أيضاً للإغلاق وطورد مراسلوها، ولم يتوقف إعلام علي عبد الله صالح عن توجيه التهديدات لها، وتخوينها وسحب ترخيصها الرسمي، ولم يكن هذا مستغرباً حينها. لكنّها المرّة الأولى التي تواجه فيها «الجزيرة» ومراسلها في صنعاء أحمد الشلفي تحديداً، هجوماً من الإعلام الرسمي بسبب ما أوردته جريدة «الأولى» المحليّة اليوميّة منتصف الأسبوع الماضي. نشرت الصحيفة تعليقاً على صفحتها الأخيرة يفنّد ما جاء في تقرير بثته الشاشة القطرية عن توقعات إصدار الرئيس عبد ربه منصور هادي قرارات جمهورية تمنع عودة الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى العمل السياسي، علماً بأنّ هذا الأمر ممنوع على صالح بحسب شروط منحه قرار قانون الحصانة الذي جعله في مأمن من أيّ ملاحقات قضائية بعد تركه السلطة.
لكنّ الشلفي ارتكب خطأً مهنياً عندما لمّح إلى جريدة «الأولى» من دون تسميتها، متهماً إياها بتلقي التمويل من الرئيس السابق. وأثناء قراءة المراسل فقرته، مرّت الكاميرا على غلاف جريدة «الأولى»، فكانت الإشارة واضحة بأنّه يقصد الصحيفة. وجاء تعليق الجريدة على الأمر بأنّ غلاف العدد الذي اختاره مراسل «الجزيرة» لم يكن يحتوي على أيّ انتقادات للرئيس الحالي. وقالت مخاطبة الشلفي «الغلاف لم يكن مطابقاً لما أردتَ أن تقوله، مع كونه منسجماً مع المعروف من غبائك». كما طالبته والقناة بالحياديّة، والتزام العمل المهني، متهمةً القناة القطرية بأنّها صارت «خزوة (عار) الإعلام كلّه بتبعيتكم الفجة، أنتم وقناتكم للإخوان المسلمين». ومن المعروف انتماء غالبية فريق مكتب «الجزيرة» في صنعاء لحزب «التجمّع اليمني للإصلاح» (إخوان اليمن)، وخصوصاً أحمد الشلفي الذي تمّ تكليفه بتغطية أحداث ميدان «رابعة العدوية» من القاهرة، ومدير مكتب القناة في صنعاء سعيد ثابت. وأكّد الأخير أنّهم «لا يفعلون سوى ما يمليه عليهم العمل الإعلامي بكل مهنيته، وأنه لم يكن أمامهم سوى تغطية تلك الأحداث بكل ما صار فيها». وأكد ثابت في حديث إلى «الأخبار» أنهم لم يقدّموا شكوى ضدّ «الأولى»، لأنها ذات تأثير محلي. وأشار إلى أنّ القول بانخفاض نسبة مشاهدة «الجزيرة» في اليمن «يبقى مسألة انطباعية شخصية، ولا بد من أن يخضع لدراسة علمية ميدانية للحكم عليه». من جهته، يؤكد الصحافي في موقع «الاشتراكي نت» الإلكتروني خليل الزكري «أن نسبة مشاهدة القناة القطرية لم تعد كما كانت بسبب انحيازها لرأي جبهة في الساحة اليمنية دون أخرى»، ويشير إلى أنّها «خسرت عشّاقها في اليمن» بسبب هذ التخندق.