«في عراق لا يتسع إلا للموت»، تسرد الشاعرة والصحافية والمترجمة العراقية أمل الجبوري (بغداد ـــ 1967) في ديوانها الجديد «أنا والجنّة تحت قدميك» (دار الساقي ـــ 2013) تجربة الأم/ العراق في معاناتها مع الخسارة، ملامسةً متلازمة الموت التي أصابت مسقط رأسها. تستعيد الجبوري شعرياً أحداثاً سياسية واجتماعية مفصلية شهدها العراق، لتَشي ما أخفته القصص الرسمية من موت وقتل واعتقال، والأهم الألم والمأساة اللذان عاناهما شعبها منذ مقتل الإمام الحسين مروراً بمقتل الملك فيصل وحرب الثماني سنوات مع إيران، لتعرّج على أحداث معاصرة كغزو العراق عام 2003 ثم مشروع تقسيمه.
اختارت الجبوري توصيف «نصوص تسجيلية» عتبةً للديوان ضمن مفهوم النص الموازي Para-text، مكونةً علاقةً جديدةً بين متن النص وقارئه، لاجئةً إلى قصيدة النثر لتوثّق الأحداث التاريخية من جهة، وتصعّد الجانب الشعري فيها من جهة أخرى، بحيث تبعدها عن جمود اللغة الإخبارية، مقاربةً الملحمة الشعرية.
العراق هو الأم، «الله في ثوب امرأة»، الثكلى التي خسرت أبناءها وتعاني «قسوة أن تكون الأم أماً لولد في هذا العراق غير الرحيم». مفهوم الأم يتسع لتتحدث الشاعرة عن «أمهات لم يلدنني» في تكثيف لإناث كنّ حاضرات كأمهات للشاعرة، فـ «تراوتا» جارتها الألمانية «دفأت ليل ألمانيا البارد بشمس روحها»، إضافة إلى «أم قاسم» و«أم علي» اللتين تمثلان صوراً منسية من طفولة الشاعرة. تطرح الجبوري مفارقة ساخرة بين موت أبناء الرافدين وانتصار منتخب العراق على المنتخب السعودي في مباراة كرة القدم في بطولة كأس آسيا عام 2007. تصف المباراة بمعركة مع «بلد مشكوك في أمر اشتراكه في دمنا، شعب العراق، المسفوح».
تتخلّل الديوان قصائد أقرب إلى الرثاء، كحالة الإعلامية أطوار بهجت التي كانت ابنة لأمّين، أمّها البيولوجية وأمّها العراق. الأولى فقدت ابنة، والثانية فقدت صوت الحقيقة لما حصل وراء «تفجير ضريح العسكريين» في سامراء عام 2006، حيث «دُفِن السرّ في ملحمة موتها الكارثي». الموت هو الطاغي على الحياة هنا. موت الشاب وليد مسموماً عام 2002، وموت أخي المخرج المسرحي جواد الأسدي، وموت الروائي حسن مطلك شنقاً، واستشهاد عُمر في إحدى التظاهرات السلمية في محافظة الأنبار عام 2013... موت جعل «كل أرض العراق مقابر، أينما وليت وجهك ثمة أم».
بسيطة وعفوية هي تراكيب الشاعرة، تنبع قيمتها من الأحداث والتفاصيل اليومية التي كانت اللغة الشعرية وعاءها، فجلل الأحداث وعمق المشاعر التي تختزنها يتجاوزان أهمية الصنعة اللغوية. تعمد الجبوري إلى توثيق اللغة المحكية اليومية وإدخالها ضمن النص الشعري. تذكر لفظ «الحواسم»، وهو الاسم الشعبي للذين نهبوا بغداد بعد سقوطها عام 2003 أو «عصابات العلاسة» المسؤولين عن عمليات الخطف في العراق، مما جعل الديوان غنياً بالهوامش التي تشرح الكلمات وأسماء المدن، أو تذكر تاريخ الشخصيات المذكورة ضمن النصوص. قبل ديوان «أنا والجنة تحت قدميك»، أصدرت شاعرة خمسة أعمال شعرية أخرى أهمها «99 حجاباً»، الذي حاز «جائزة الابداع العربي» باسم الشاعر عبد العزيز المقالح كأفضل ديوان لعام 2003 من «النادي العربي اللبناني» في باريس. وقد تلقت هذا العام دعوة إلى احتفالية «بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013»، حيث تحدثت عن غياب يهود العراق عن بلدهم، وعن الدور الذي أدوه في إحياء الحركة الفنية والثقافية.



توقّع أمل الجبوري ديوانها «أنا والجنة تحت قدميك» بمشاركة الفنانتين جاهدة وهبه وسحر طه في السادسة من مساء اليوم في «قصر الأونيسكو» في بيروت