تونس | تجاوزت نسبة إضراب الصحافيين التونسيين أمس حسب مصادر «النقابة الوطنية للصحافيين» تسعين في المئة، ووصلت في بعض المؤسسات إلى مئة في المئة. الإضراب هو الثاني في أقلّ من عام، دعت إليه «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» و«النقابة العامة للصحافة والإعلام»، احتجاجاً على الفاشية التي تسعى حركة «النهضة» إلى تكريسها في تونس، عبر خنق حرية الصحافة، واستهداف استقلاليتها.
وترتّب عن هذا المسعى تصنيف تونس من المنظمّات الدولية التي تُعنى بحرية الصحافة في مرتبة متقدّمة في نسبة العداء لحرية التعبير، وقد تراجعت بأربع نقاط عن عهد زين العابدين بن علي.
جاء إضراب الصحافيين بعد سلسلة من المحاكمات التي طاولت الإعلاميين، من بينهم زياد الهاني الذي اعتقل لثلاثة أيام من دون أيّ احترام للتراتيب القانونية بشهادة «جمعية القضاة التونسيين». أكّدت رئيسة الجمعية كلثوم كنو، أنّ محاكمة الهاني لم تراعِ التراتيب القانونية اللازمة. وقد أثار اعتقال الصحافي نهاية الأسبوع موجة عارمة من الاحتجاجات، وتدافع المواطنون أوّل من أمس أمام «محكمة تونس» لدفع الغرامة المالية من أجل إطلاق سراحه. كذلك دعت النقابات الفنية والثقافية و«النقابة الوطنية للصحافيين»، و«النقابة العامة للثقافة والإعلام» إلى مسيرة وتحرّك احتجاجي أمام «قصر الحكومة» في القصبة، شارك فيه الآلاف من المواطنين، نادوا بحرية الصحافة ضد «حكومة الإرهاب».
تعيش تونس اليوم هجمة من حركة «النهضة» الإسلامية طاولت الناشطين في مجالي الثقافة والإعلام بنحو غير مسبوق. يفسّر بعض المحلّلين تلك الهجمة برغبة «النهضة» في إخضاع آخر معقل للمقاومة ضدّ مشروعها الاجتماعي والثقافي، بعدما نجحت في وضع يدها على مفاصل الدولة.
ليس مصادفة إذاً أن تتزامن قضايا الرأي والتعبير في يوم واحد. فقد جرت محاكمة ثلاثة صحافيين، هم زهير الجيس، وزياد الهاني، والطاهر بن حسين. كذلك مَثل أمس الصحافي في جريدة «السفير التونسية» رمزي الجباري أمام المحكمة، في الوقت الذي يقبع فيه السينمائي نصر الدين السهيلي في السجن، بعدما رشق وزير الثقافة مهدي مبروك بالبيض. وينتظر المصوّر مراد المحرزي المحاكمة من جديد بسبب تصويره مشهد إلقاء البيض.
وفي هذا السياق، أصدرت النقابات والمنظمات الفنية والثقافية بيانات مساندة لمعركة الصحافيين. ولفت نقيب «مهن الفنون التشكيلية» عمر الغدامسي «الأخبار» إلى أنّ المعركة واحدة من أجل حرية التعبير، مشيراً إلى أنّ استهداف المبدعين «دليل على محاولة وضع اليد على المجتمع والدولة»، بحسب تعبيره. وفي سياق متصل، أكّد رئيس «الاتحاد العام للفنانين التونسيين» حمادي الوهايبي أن لا تراجع عن مطالب حرية الإبداع، وأن المعركة التي تقودها «النهضة» خاسرة مسبقاً، وأنّ الفنانين والإعلاميين الذين عرفوا وعاشوا طعم الحرية لن يعودوا إلى بيت الطاعة. وندّدت المنظمات الثقافية مثل «اتحاد الكتاب التونسيين»، ونقابة «مهن الفنون التشكيلية» و«نقابة كتاب تونس»، ورابطة «الكتاب الأحرار»، و«جمعية السينمائيين التونسيين»، و«نقابة تقنيي السينما»، بالهجمة الشرسة التي تقودها حكومة علي العريض على الصحافيين. وأكّد نجاح الإضراب العام الثاني الذي نفذه الصحافيون أمس والتعاطف الشعبي معهم، أن التونسيين غير مستعدّين لقبول نظام آخر يعيد إنتاج القمع والاستبداد مهما كان لونه أو خلفيته الفكرية.