عكّا | يوم قُدِّم «عمر» ضمن تظاهرة «نظرة ما» خلال الدورة 66 من «مهرجان كان السينمائي الدولي» (الأخبار 21/5/2013)، انتزع إعجاب لجنة التحكيم والجمهور والنقّاد الحاضرين. تناول شريط هاني أبو أسعد قصة ثلاثة شبان يشكّلون فرقة فدائية لقنص جنود الاحتلال الذين يحرسون جدار الفصل العنصري. لكن الفدائيّين الثلاثة، على رأسهم عمر (آدم بكري)، ظهروا في وجه إنساني أثّر عميقاً في المتلقي غير المعني مباشرةً بالقضية الفلسطينية.
أُبهر جمهور الكروازيت بقصة العاشق الفلسطيني الذي يضطر يومياً إلى تسلّق أسوار جدار الفصل للقاء حبيبته. الحفاوة التي استقبل بها الجمهور والنقّاد الفيلم، تُرجمت في خيارات لجنة التحكيم التي منحته ثانية أهم جوائز «نظرة ما» هي جائزة لجنة التحكيم الخاصة. بعد صولاته وجولاته في العواصم الغربية، وصل «عمر» أخيراً إلى فلسطين مع مجموعة عروض تنقّلت بين رام الله والقدس والناصرة، مسقط رأس مخرجه هاني أبو أسعد.
8 سنوات مرّت بين فيلمه «الجنة الآن» (90 دقيقة) الذي حصل على جائزة «غولدن غلوب» عام 2006 وبين «عُمر» (2013). يسرد الشريطان قصصاً حصلت في الأراضي المحتلة عام 1967 وتفاصيل من الحياة اليومية للفلسطينيين. ومع اختلاف المواضيع التي يتحدثان عنها، إلا أنّ المحور الأساسي الذي يشكّل غطاء القصتين هو تأثير الاحتلال في الحياة الاجتماعية والفرد ضمن أبشع المعادلات التاريخية: الاحتلال والحصار والظلم والقمع.
عدا تناول هاني أبو أسعد عاملاً إضافياً هو الخوف من مسألة «العمالة» للاحتلال، بقي الحبّ حاضراً بقوة في «عُمر»، بل هو المحرك الأساسي للقصة. في حديث مع «الأخبار»، يقول مع هاني أبو أسعد: «بسبب كل هذا الدمار حولنا، يشكّل الحبّ ربما العامل الأساسي للحياة في نظري. إجابتي العفوية الصادقة هي أنّ الحبّ هو الدافع إلى أن يبقى الإنسان قادراً على الحياة. حتى في السينما، كي يستطيع الإنسان أنّ يستمر، فهو بحاجة إلى سرد قصة حبّ».
لم يبتعد هاني أبو أسعد في أفلامه عن المخاطرة في طرح مواضيع وقصص قُدَمت سابقاً عبر المنابر الإعلامية والإخبارية لكن ليس بهذه القوة وتلك المقاربة، سواء في «الجنة الآن» ولاحقاً في «عُمر». إلا أنّه يعتبر أنّ المخاطرة في «الجنة الآن» كانت أكبر من كلّ النواحي الفنّية والإنتاجية وغيرهما. أما في «عُمر»، فكانت «المخاطرة أكبر من الناحية الإنتاجية». يعود ذلك إلى أنّ «عُمر» هو إنتاج فلسطيني يصل إلى 95% من ميزانية الفيلم. يعلّق المخرج المعروف: «أي صناعة في العالم تريد أن تنجح يجب أن تعتمد على تمويلها الداخلي. وأي صناعة تعتمد على الخارج تكون هشة بحيث يؤثر فيها أي حدث خارج عن سيطرتها. لم نصبح أحراراً بعد، ما زلنا نقبع تحت الاحتلال، لكن كلما كنّا أقلّ ارتباطاً بالخارج، كان ذلك أفضل».
بالرغم من الأهمية الكبرى لمسألة التمويل الفلسطيني والمخاطرة الإنتاجية التي راهن عليها هاني أبو أسعد وطاقم «عُمر»، إلا أنّ أبو أسعد يرى أنّ هناك مخاطرة فنّية يصفها بالتجربة المختلفة عن «الجنة الآن». وهو يقصد هنا التوجه السياسي للقصة. يشرح: «في «الجنة الآن»، كان التوجه السياسي مبهماً بشكل أكبر. أما في «عُمر»، فالتوجه أكثر وضوحاً. لكن من جهة ثانية ليس بالضرورة أن يكون التوجه السياسي المبهم أمراً سيئاً، لأنّ هناك أيضاً مخاطرة في أن يكون التوجه السياسي واضحاً أيضاً».
في بداية أيلول (سبتمبر)، افتُتح العرض الأول لفيلم «عُمر» في رام الله للجمهور الفلسطيني. ومنذ ذلك الحين، بدأ جولته بين رام الله والقدس ليصل هذا الأسبوع إلى مدينة الناصرة ويعرض في 20 و21 و 27 أيلول في قاعة «مركز محمود درويش الثقافي». يتحدث هاني أبو أسعد عبر المنابر الإعلامية المتعددة حول أهمية الجمهور الفلسطيني لديه والمسؤولية التي يشعر بها تجاهه. يقول: «يوم الحساب سوف يأتي في النهاية، إن كان على الأرض أو في السماء. سوف يسأل الناس والنقاد. وسوف يسأل التاريخ: ماذا فعل هاني أبو أسعد؟ لماذا ترك الجمهور للمسلسلات التركية و«وولت ديزني»؟ ليس لديّ إجابة. لذلك، هذه مسؤوليتنا أن نقدم للجمهور أفلاماً تدخل قلبه وتصدمه وتستثير الأسئلة في نفسه. لذلك يجب أن نكون قريبين من الجمهور».