يكاد «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية» يحقق رقماً قياسياً بعد تحوّله أخيراً إلى مقصد للكثير من المدّونين والناشطين والإعلاميين. لا يذهب هؤلاء إلى المكتب التابع للشرطة القضائية في فرن الشباك (جبل لبنان) بملء إرادتهم، بل بناء على استدعاء رسمي للتحقيق معهم في شكاوى مقدّمة ضدّهم. بعد الإعلامي رامي الأمين (الأخبار 29/5/2013) والمدوّنة ريتا كامل وآخرين، برزت قضيّة جديدة شغلت المكتب تمثّلت في التحقيق أمس مع الصحافية والناشطة في «جمعية أمم للتوثيق والأبحاث» رشا الأمين.
القصة بدأت الشهر الماضي حين استدعى المكتب الصحافي مهند الحاج علي للتحقيق معه في شكوى «قدح وذم وإثارة نعرات» ضد مجهول رفعها رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع على خلفية مقال نشرته مدونة «المحاسبة» بعنوان «رسالة من قدامى القوات إلى سمير جعجع». لكن ما علاقة الحاج علي بالمقال؟ يؤكد الصحافي اللبناني لـ«الأخبار» أنّ لا علاقه له بـ«المحاسبة»، فالمدوّنة المذكورة أعادت نشر المقال بعدما كتبه فادي ف. حوّا على موقع «التيّار» الإلكتروني في 12 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مشيراً إلى أنّه «أرادوا معرفة ما إذا كنت مسؤولاً عن المدوّنة، لكنّني نفيت ذلك». ويبدو أنّ إصرار المكتب على تحميل الحاج علي مسؤولية المقال الذي وجّه تهماً لـ«القوّات اللبنانية» بارتكاب جرائم خلال الحرب الأهلية، يعود إلى خلاف سابق بين الحزب والصحافي اللبناني. خلاف نشأ بعد كتابة مقالات معارضة لـ«القوّات» نُشرت على موقع «ناو» حيث عمل الحاج علي رئيساً للتحرير.
بعد استدعاء الصحافي اللبناني إلى التحقيق، اتصل المكتب بالناشط في «جمعية أمم للتوثيق والأبحاث» لقمان سليم وحقق معه على مدى خمس ساعات. والسبب؟ رابط على «المحاسبة» يؤدي إلى موقع «ديوان الذاكرة اللبنانية» التابع للجمعية. فيما استنكر سليم «الرقابة على الأفكار»، تحدّث عن «تناسل الأمن السرطاني في لبنان، ونشوء أجهزة تراقب كتابات الناس وأفكارهم وأقوالهم». لكن ما علاقة كل هذا برشا الأمين؟ الصحافية حضرت أمس إلى «مكتب مكافحة الجريمة الالكترونية....» حيث خضعت للتحقيق بشأن دورها في موقع «ديوان الذاكرة اللبنانية»، معتقداً أنّها كاتبة المقال موضع الخلاف! في حديث مع «الأخبار»، استنكرت الشابة اللبنانية «تقييد الحرّيات والرقابة»، قبل أن تستدرك وتثني على حسن تعاطي المعنيين في المكتب معها، مضيفة «كانوا لطيفين جدّاً ومحترمين»، فيما تحدّث البعض عن ضغوط تعرّضت لها. ورغم أنّ مصادر من داخل المكتب اعتبرت أنّ كل ما يقال عن تقييد الحريات «محض افتراء»، إلا أنّ بعض الصحافيين الذين استدعوا إلى التحقيق، أوّلهم مهند الحاج علي، اتّهموا المكتب بأنّه صار أداة لتصفية الحسابات السياسية.

يمكنكم متابعة نادين كنعان عبر تويتر | @KanaanNadine




شو يعني جريمة؟

من المفيد التذكير بأنّ مهمّة «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية» تتركّز على الجرائم الإلكترونية التي «تكون التقنية العالية هدفها ووسيلة لاقتراف الجرم»، كما يتدخل في مهمات مكاتب أخرى لملاحقة «التحرش الجنسي، وتسهيل الدعارة عبر الإنترنت، وإساءة معاملة الأطفال...». يرى رئيس تحرير «المفكرة القانونية» المحامي نزار صاغية أنّ المشكلة لا تكمن في تحقيق المكتب في قضايا القدح والذم الإلكترونية في ظل غياب قانون للإعلام الالكتروني، بل في إساءة معاملة الحرّية، مشدداً على أنّ استدعاء مهند الحاج علي غير قانوني لأنّه «صحافي مسجّل في النقابة ويفترض أن يمثل أمام النائب العام لا الضابطة العدلية».