مع هذا الصيف الصاخب سياسياً، انطلقت الدورة السبعون من «مهرجان البندقية السينمائي» الأربعاء الماضي. الموعد السينمائي الأعرق، يواجه تهديداً جدياً رغم كل ما يحاول مديره الإيطالي البيرتو باربيرا فعله.
هل فقد المهرجان شيئاً من بريقه؟ ربما، لكن لا يمكن الإجابة بشكل قاطع، وخصوصاً إذا ألقينا نظرة على البرنامج. الأسماء الكبيرة هنا، ونجوم السينما ومخرجوها الكبار موجودون، وكذلك أفلامهم، بالإضافة إلى مبادرات جديدة. باربيرا لا يحاول اللحاق بأحد، لكنه يجاهد لتأمين المهرجان وسط فوضى مالية محلية وعالمية تجعل كثيرين يحسبون المشاركة من زاوية الكلفة. «تورونتو» الذي يفتتح رسمياً بعد أيام هو المنافس الأبرز لـ«الموسترا»، على الأقل لناحية جذب العروض السينمائية الأميركية. الكلفة هذه الأيام هي ما يحسب له حساب، ولعبة المال «السينمائي» هي التي تتحكم في النهاية، مع ارتفاع التكاليف على منتجي الأفلام وموزّعيها من جهة، ومن جهة أخرى كلفة الذهاب إلى المهرجان من قبل الصحافة والمتابعين، فالبينالي يبقى إحدى أكثر الوجهات السينمائية كلفةً للحضور، وإيطاليا تعاني من أزمة مالية حادة. بطبيعة الحال، ينعكس ذلك على الفنّ السابع، وخصوصاً مع وضع الحكومة الإيطالية سياسة تقشفية تجاه دعم الفنون، حتى إنها تحاول فتح نافذة جديدة على السوق الصينية من خلال سوق المهرجان باتفاقيات إنتاج وتوزيع مشترك. باربيرا يدرك هذه التحديات جيداً، ويضعها في الحساب، لذا حاول وضع يده على أكبر عدد من العروض الأولى.
11 يوماً من العروض الممتلئة في المهرجان الذي يستمر حتى السابع من أيلول (سبتمبر). افتتح اليوم الأول بشريط المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون «جاذبية» الذي عرض خارج المسابقة. كوارون الغائب عن الساحة منذ فيلمه «أطفال الرجال» عام 2006، يعود ليقدم عملاً ينتمي إلى فئة الخيال العلمي والرعب، وبتقنية الأبعاد الثلاثة، من بطولة جورج كلوني وساندرا بولوك. رائدا فضاء يجدان نفسيهما عالقين في الفضاء الخارجي. بعد عرضه، لقي الشريط تفاوتاً نقدياً حاداً. رغم أنّ الكلّ أجمع على أنّ كوارون قدم فيلماً ذا مستوى عال من الحرفية التقنية والصورة السينمائية، إلا أنّ النقد طاول قصة الفيلم ذاتها، فرأى بعضهم أنّ تقنية العمل العالية جاءت على حساب القصة ذاتها. هو ما حصل لكوارون أيضاً بعد «أطفال الرجال» الذي جرى تجاهله نقدياً في سنواته الأولى حتى بدأت الأقلام النقدية تعود وتنوّه به.
عروض مهمة أخرى شهدتها أيام المهرجان الأولى. بالإضافة إلى كوارون، احتفت الموسترا بعامها السبعين على طريقتها الخاصة، إذ عُرض شريط «البندقية 70: إعادة تحميل المستقبل» المكوّن من 70 فيلماً قصيراً عن مستقبل السينما شاركت في إخراجه أسماء كبيرة مثل عباس كياروستامي، والإيطالي برناردو برتولوتشي الذي يرأس لجنة التحكيم هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، عرض الشريط الفرنسي «الحياة الجميلة» لمخرجه جان دونيزو، وشريط Gerontophilia للكندي بروس لابروس أيقونة أفلام البورنو المثلية. اليوم الثاني للمهرجان شهد عرض نسخة مرمّمة من فيلم «الساحر» (1977) للمخرج الأميركي المخضرم وليام فريدكين (1935) الذي كرّمه المهرجان أيضاً بمنحه «جائزة الدب الذهبي» عن مجمل أعماله. مخرج «طارد الأرواح» وصفه باربيرا بأحد المجددين في ما يعرف بالموجة الهوليوودية الجديدة في سبعينيات القرن الماضي.
خلال الدورة، عُرض الفيلم الإيطالي Tracks لجون كوران، والألماني «زوجة ضابط الشرطة» لفيليب غرونينغ، بالإضافة إلى «فيلومينا» للبريطاني ستيفن فريرز. السينما الأميركية الحاضرة بقوة في «الموسترا» هذه السنة، شهدت عروضاً عدة في الأيام الأولى: الأميركي ديفيد غوردون غرين عرض فيلمه Joe، وكذلك مواطنه كيلي ريتشارد الذي قدّم شريط Night Moves، إضافة إلى «ابن الرب» لجيمس فرانكو المقتبس عن رواية كورماك مكارثي، فيما عرض شريط بول شريدر الجديد The Canyons خارج المسابقة الرسمية. حتى الآن، لم يشهد المهرجان أي أحداث صاخبة، والعروض تتواصل حتى آخر يوم، مع أسماء كبيرة باقية على القائمة تتنافس على «الدب الذهبي». باربيرا أراد من النسخة السبعين أن تنظر إلى المستقبل بدلاً من الاحتفاء بالماضي، وهو ما يقوم بفعله من خلال مبادراته الجديدة المتعددة. وكما تجري العادة، ستتضح الحسبة ليلة إعلان الجوائز!