في 9 آذار (مارس) 2012، تعرضت الإثيوبية آليم ديشاسا لضرب مبرح على يد ربّ عملها أمام قنصلية بلادها في بيروت. اكتشف الرأي العام ما جرى من خلال فيديو انتشر على يوتيوب وشاهده العالم. وما هي إلا أيام حتى انتحرت ديشاسا شنقاً مستخدمةً غطاء سريرها في «مستشفى دير الصليب للأمراض النفسية»، بعدما أودعها فيه المعتدي الذي عرفت هويته وظلّ من دون عقاب.
انتشرت هذه القصة حول العالم، غير أنها لم تسهم في تحسين أوضاع العاملات المنزليات في لبنان اللواتي تركز عليهنّ «فرانس 24» الليلة من خلال برنامجها «المراقبون».
تحت عنوان «لبنان: عاملات أجنبيات أم عبيد؟»، قرّر «المراقبون» الذي يقدّمه جوليان بان إظهار كمّ العنف الجسدي والنفسي والتمييز والعنصرية التي تتعرّض لها العاملات الأجنبيات في لبنان. هذه المرة، لجأ بان إلى الكاميرا الخفية لإظهار عنصرية المجتمع تجاه العاملات المنزليات من البشرة السوداء وفق ما يقول جوليان بان. بفضل العاملتين راحيل وإيميه رازاناجاي الآتية من مدغشقر، ستُستخدم الكاميرا الخفية لكشف العنصرية السائدة في المجتمع اللبناني، حين تحاولان الدخول إلى أحد المسابح. وتشرح إيميه لجوليان بان عن مشاكل نظام «الكفالة» الذي يعطي ربّ العمل كلّ السلطة على العاملة التي تصبح ملكية، وغرضاً يخضع لرحمة ربّ العمل الذي يتحكم بها 24 ساعة في اليوم. هكذا، يخصّص «المراقبون» حلقةً من 12 دقيقة تعرض على القناتين الفرنسية والعربية من دون اختلاف بين النسختين.
في النسخة العربية، يستنكر الناشط علي فخري الفصل العنصري الذي تتعرض له العاملات المنزليات، ويقول إنّ الوضع أسوأ للنساء ممّا هو للرجال، نظراً إلى المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه، كذلك فإنه يختلف بحسب ثراء البلاد الذي تأتي منه العاملات. ويضيف أنّه ما إن يصلن إلى لبنان حتى يبعن مثل الماشية، وهذا ما يظهر في الكاميرا الخفية: لا يحقّ للعاملة بيوم عطلة، ويمكنها الاتصال مرتين بالشهر فقط بعائلتها. وإن حصلت مشكلة، تُعاد إلى المكتب الذي جلبت منه وتُستبدل بها أخرى كأنّها قطعة اثاث أو غسّالة.
والمفاجأة الكبرى ستكون المقابلة مع المدير العام للوزارة بالإنابة عبد الله رزوق. يتساءل علي فخري كما سنتساءل نحن المشاهدين: كيف ينكر رزوق وجود أي شكل من أشكال العنصرية والاستعباد الحديث والظلم الذي يلحق بالعاملات المنزليات في لبنان؟ وكيف لا يعرف عن حظر بعض المسابح لدخول العاملات الأجنبيات رغم التقارير الكثيرة عن الموضوع والأشرطة التي التقطت بواسطة الكاميرا
الخفية؟
تقول إيمي إنّ ذلك يرتبط بإنكار المجتمع اللبناني لوجود هذه المشكلة من الاساس.
على مرّ السنوات، دخل هذا النوع من الاستعباد الحديث في ممارسات جزء لا يستهان به من المجتمع اللبناني بتواطؤ من السلطات اللبنانية التي تعتمد نظاماً قضائياً يتضمن التمييز، فقانون العمل اللبناني ينصّ في مادته السابعة أنّه «تُستثنى من هذا القانون العمالة المنزلية».
اللبنانيون الذين انتهجوا الهجرة منذ قرون، بسبب المجاعة في ظلّ السلطنة العثمانية وبسبب الحروب التي مزقت بلادهم، طرقوا أبواب السفارات الأجنبية وتسوّلوا التأشيرة أحياناً، وها هم يقبلون أن يكون في بلادهم نظام لا يحفظ الحقّ بالمساواة ويحرم العاملات المنزليات حقوقهن.
كيف يقبلون نظام الكفالة الذي يضرّ بالعاملة بقدر ما يضرّ بربّ العمل، فيحوّله إلى ممثل غير شرعي للدولة غير الموجودة في هذه الحال، ويحوّل العاملة إلى ضحية ربّ عمل سيد، من دون قانون يحميها، ولا يبقي أمامها إلا خيار الفرار والعمل خفية؟ هذا ما تشرحه موظفة في مركز «كاريتاس» الذي يستقبل عاملات منزليات يمررن بهذه الظروف.
طبعاً لا نقصد هنا التعميم أو القول إنّ كلّ اللبنانيين الذين لجأوا إلى العاملات المنزليات هم «مستعبِدون»، لكن تقع على عاتق اللبنانيين اليوم مواجهة الظلم الذي تتعرض له العاملات المنزليات، لا على الصحافة الأجنبية كما كانت الحال غالباً في السنوات الماضية.

«لبنان: عاملات أجنبيات أم عبيد؟»: 22:45 على «فرانس 24»