«توحيد الخطاب الإعلامي»: درس سعودي جديد في الديموقراطية | الحرب السياسية الهستيرية التي تشنّها السعودية ومن خلفها دول «مجلس التعاون الخليجي» على «حزب الله»، اتخذت أمس منحى جديداً ومختلفاً. المعركة هذه المرّة إعلامية بامتياز. بعد اجتماعهم الـ 24 أوّل من أمس، خرج وزراء إعلام مجلس التعاون بمجموعة قرارات إضافية تقضي بمحاصرة الحزب اللبناني إعلامياً و«اتخاذ الإجراءات القانونية كافة لمنع التعامل مع أي قنوات محسوبة عليه وعلى قادته وفصائله». وبحسب البيان الرسمي، تشمل الإجراءات «التنظيمات التابعة لحزب الله والمنبثقة عنه كافة، باعتباره ميليشيا إرهابية تسعى إلى إثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة وأمن واستقرار دول المجلس والعديد من الدول العربية». أما العقوبات، فتشمل «شركات الإنتاج والمنتجين وقطاع المحتوى الإعلامي وكل ما يندرج تحت مظلة الإعلام». حتى إنّ وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل الطريفي تحدّث إلى الصحافيين على هامش الاجتماع عن «اتفاق خليجي لإعداد آلية لمكافحة أبواق تنظيمات «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة» وغيرها، من خلال مكافحتها برامجياً وإنتاجياً، وعلى مستوى الظهور الإعلامي، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي»، وفق ما ذكر موقع صحيفة «الوطن» السعودية أمس. ولفت الموقع إلى أنّه جرى الحديث أيضاً عن «توحيد الخطاب الإعلامي، وإسكات أبواق حزب الله».
لا مفاعيل قانونية لهذا القرار الذي يندرج في سياق «الاستخدام السياسي الرخيص»

الصيغة المطاطة والمبهمة للقرار تطرح علامات استفهام عدّة حول طبيعته والمؤسسات المقصودة فيه: ماذا تعني عبارة منع التعامل؟ وكيف ستتم هذه العملية؟ وما هي القنوات المحسوبة على «حزب الله»؟ هل هي محصورة بالمؤسسات التابعة له مباشرةً، أم تشمل أيضاً تلك المندرجة ضمن خط الممانعة؟ وهل يمكن أن ينسحب ذلك على مختلف المؤسسات الإعلامية اللبنانية بهدف تسعير الحملة الداخلية المضادة للحزب وزيادة التململ الداخلي منه؟ هل سيؤثر الموضوع على عملية إنتاج البرامج والمسلسلات، والتعاون اللبناني ــ الخليجي؟ وماذا عن ضيوف البرامج؟ هذه الأسئلة تظهر إلى الواجهة بمجرّد التعمّق في مضمون القرار الجديد. فهل خرجت الأمور عن السيطرة فعلاً، أم أنّ المسألة لا تعدو كونها «زوبعة في فنجان» في إطار مواصلة الضغط السياسي على الحزب؟
في ظلّ التزام القنوات اللبنانية القريبة من خط «حزب الله» الصمت، يؤكد أحد الخبراء القانونيين، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار» أن «لا مفاعيل قانونية لهذا القرار». ويرى أنّ ما حصل لا يتواءم مع معايير تعامل الدول، واضعاً إياه في سياق «الاستخدام السياسي الرخيص». يبدو أستاذ القانون الدولي شفيق المصري قريباً من هذا الرأي، وخصوصاً أنّ القرار المتخذ هو ضد «جهة لبنانية وليس ضد الدولة ككل». ويوضح في اتصال مع «الأخبار» أنّ مجلس الأمن الدولي أو أي هيئة دولية أخرى لم تصنّف «حزب الله» إرهابياً حتى الآن، ما يحول دون تطبيق دول مجلس التعاون الخليجي لقرارها الحديث استناداً إلى القانون الدولي لمكافحة الإرهاب.
من جهته، يشدد المدير العام لوزارة الإعلام حسّان فلحة على أنّ السؤال الأساسي الذي يجب طرحه اليوم: هل هناك تعريف واضح للإرهاب؟ يتشارك فلحة الرأي مع الخبير القانوني، مؤكداً أنّ القرار يندرج ضمن «القرارات السياسية»، وجازماً بأنّ «لبنان دولة ذات سيادة. «المنار» وغيرها من المؤسسات الإعلامية التابعة لـ«حزب الله» تعمل وفقاً للأنظمة والقوانين اللبنانية، وعليها أن تُحفظ وتُصان». ويتابع أنّه في حال حدوث أي خطأ، هناك «قوانين مرعية الإجراء تتم المحاسبة على أساسها وأمام القضاء اللبناني». وفيما يوضح فلحة «أنّنا ضنينون على العلاقة الممتازة مع الدول العربية»، يؤكد أنّ ذلك «لا يمنع المحافظة على المؤسسات الإعلامية اللبنانية».
لا تزال الصورة ضبابية بعد صدور القرار الخليجي الذي جاء بعد أشهر فقط على محاصرة «الميادين» و«المنار» (الأخبار 5/11/2015) على قمر «عربسات». الأيّام المقبلة ستكون كفيلة بإظهار مفاعيله المحتملة على الأرض. غير أنّ الأكيد أنّنا بتنا في حرب مفتوحة وحلقة جنون تستخدم فيها كلّ الأسلحة.