نقطة تحوّل
عندما يصل صيت مسلسل مصري إلى كردستان العراق، يعني أنّ تقويم العمل بات يخضع لقواعد مختلفة وضعها صنّاع «نيران صديقة» منذ الحلقة الأولى. استعان المؤلف محمد أمين راضي بما ذكره أحد التقارير عن ترحيل نظام صدام حسين لفتيات كرديات إلى القاهرة في نهاية الثمانينيات للعمل في ملاهي شارع الهرم. ويؤكد المؤلف أنّ الاهتمام بالتفاصيل والبحث والتدقيق في الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث المسلسل رفعته إلى مستوى تقويم مختلف. بل إنّ «نيران صديقة» يُعَدّ نقطة تحوّل في الدراما المصرية التي لجأت إلى أدوات مختلفة تُجبر الجمهور على متابعة كل مشهد انتظاراً لحلقة اليوم التالي.

فيما أثار عمله أزمة في العراق، وأعلن الناطق باسم «وزارة شؤون الشهداء» في كردستان العراق فؤاد عثمان أنّه سيرسل وفداً من السفارة المصرية في بلاده لمتابعة الأمر. لكنّ محمد أمين راضي قال أمس في حوار مع «المصري اليوم» إنّ «قضية «فتيات الأنفال» حدثت في الثمانينيات، ونُشرت في جريدة «أخبار الحوادث»، ولفتت انتباهه، فحوّلها إلى قصة درامية داخل سياق أحداث المسلسل». وبعيداً عن الجدل الذي أثاره العمل، كان فريق التمثيل على قدر المسؤولية، وليس فقط الأبطال الستة الرئيسيون منة شلبي، وكندة علوش، ورانيا يوسف، وعمرو يوسف، ومحمد شاهين، وظافر العابدين، بل إنّ العمل الذي أخرجه المخرج خالد مرعي دفع المخضرمين صبري فواز، وسلوى خطاب إلى المنافسة على جائزة «أفضل ممثل في رمضان 2013».


على خطّ الأزمة

استعان الممثل والسيناريست السوري رافي وهبي بالفكرة الأساسية للفيلم الإيطالي «الجميع بخير» للمخرج العالمي جيوزيبي تورناتوري، فأنجز مسلسل «سنعود بعد قليل» للمخرج الليث حجو.
لكنه وقع في تطويل مملّ واصطناع نوستالجيا مفبركة لا يمكن أن تتفق مع الطريقة التي كتبت فيها شخصياته. فيما راح حجو يكرّر المشاهد ذاتها بطريقة المصادفات الهندية، وخاصة لقاء المرأة اللبنانية بأبو سامي (دريد لحام) في بيروت ونسيانه أخذ رقم هاتفها، كأنه يريد أن يملأ الفراغ الذي وقع فيه النص. كذلك، عجزت بعض الممثلات اللبنانيات، وعلى رأسهن نادين الراسي، في إقناع المشاهد بأدائهن، وظهرت سلافة معمار في دور أقل من إمكاناتها بكثير، بينما قدم قصي خولي خطاً يصلح لأفلام الأكشن الهوليوودية أكثر من الدراما السورية.
ومع ذلك، يُعَدّ العمل من أفضل المسلسلات السورية؛ لأنه استعاض عن الغرق في تفاصيل الأزمة السورية من خلال صياغة حنين أهلها، وخصوصاً في الحلقات العشر الأولى التي قدّمت حوارات وجدانية عالية المستوى بين دريد لحام وصديقه المعارض (عمر حجو) الذي ينتظر خروج ابنه من المعتقل.
كذلك بدا مشوار أبو نجيب وتركه لدمشق صياغة خاطفة، لكنها مكثفة للشارع الدمشقي هذه الأيام على خلفية موسيقى تصويرية مؤثرة لطاهر مامللي، لكنها تشبه عشرات الأعمال التي سبق أن اشتغلها.

ألغاز و«هاشتاغ»

يتابع جمهور مسلسل «اسم مؤقت» الحلقات كل يوم عبر التلفزيون وتويتر في آن واحد. كانت المشاهدة الأسرية قبل عصر الإنترنت هي التي تشهد النقاشات بعد عرض كل حلقة. لكن اليوم، جاء الهاشتاغ الذي يحمل اسم المسلسل ليشكّل منبراً جديداً للنقاشات ويحاول جمهور العمل فكّ الغاز كل حلقة فور طرح الجنريك. كسب الثلاثي الرهان وهم: المؤلف محمد سليمان عبد المالك، والمخرج أحمد جلال، والممثل يوسف الشريف. لم يتأثر المسلسل سلباً بنجاح «رقم مجهول» الذي كتبه عمرو سمير عاطف في رمضان الماضي. فعند عرض برومو «اسم مؤقت»، خال المشاهدون أنّه يشبه «رقم مجهول»، وخصوصاً أنّ معظم الأبطال هم أنفسهم في العملين. لكن مع عرض المسلسل، اكتشف هؤلاء أنّ المضمون مختلف تماماً. هكذا نجح عبد المالك في دفع جمهوره إلى إطلاق عشرات التساؤلات اليومية، محاولاً فكّ الغموض والدوائر المغلقة التي يتنقّل فيها الأبطال، وصولاً إلى تعليقات ساخرة كالمشاهد الذي يتطلّع لمعرفة نهاية العمل وهوية الجاني الحقيقي أكثر من معرفة نتيجة الامتحان. يعدّ «اسم مؤقت» أوّل مسلسل يتناول عن كثب كواليس التنافس في الانتخابات الرئاسية المصرية، ويدخل في سراديب الحملات الانتخابية للمرشحين، ليثبت أنّ الكل على الساحة مشغول بالتلاعب بعقول الناس مثل مؤلف المسلسل الذي يتلاعب بعقول متابعيه ويفسد توقعاتهم يوماً بعد الآخر، لكنه على الأقل سيصارحهم بالحقيقة في الحلقة الأخيرة، بينما لا يفعل السياسيون ذلك أبداً.


الجرح المفتوح

برمشة عين، سحبت الوطنية من صنّاع مسلسل «منبر الموتى» (الولادة من الخاصرة 3)، وتأسّست صفحات افتراضية مهمّتها الردح والشتم والتخوين لنجوم سوريين هوجموا طويلاً لأنهم حسبوا على النظام. هذه الحالة وحدها تؤكد أنّ المسلسل وضع يده على الجرح السوري، وضغط بحزم من خلال قصة مشوقة كتبها سامر رضوان بدت كأنّها انعكاس دقيق لما حصل في الشام على مدار سنتين ونصف سنة. رغم أن البعض أخذ على المسلسل إعادة فتح الجرح قبل أن يندمل، وتحريض السوريين على الانتقام ممن كان سبباً في إيصال بلادهم لما وصلوا إليه، إلا أنّ هناك من رأى أنه قصف جديد من خلال الدراما لشعب ما زال يقبع تحت وطأة الحرب والدمار، ويستحق استراحة قصيرة في الدراما الرمضانية.
لكن كل ذلك لم يقلّل من أهمية المسلسل وجماهيريته ونجاح سيف الدين السبيعي في إنقاذه بعدما اعتذرت رشا شربتجي في وقت حرج عن عدم إكماله. وعلى الرغم من ظهور بعض الهفوات الإخراجية الواضحة واعتماد النص بشكل كامل على الأحداث التي شهدتها سوريا، إلا أنّ «منبر الموتى» قدّم رؤية وتحليلاً دقيقاً لفصول الحرب السورية. وجمع ممثلين سوريين من مختلف التوجهات السياسية أمام كاميرا واحدة، اختزلت في آخر ربع ساعة من الحلقة الـ 22 أحداثاً طويلة شهدتها عاصمة الأمويين بطريقة فوتومونتاج كان أقرب إلى الفيلم الوثائقي وتداخلت صوره على خلفية أغنية معبّرة جداً لنادين صعب.

حدود شقيقة 2

من خلال نص مُحكم لحازم سليمان، قدّم أسامة الحمد نفسه في أوّل عمل كوميدي له. عبر «حدود شقيقة»، تمكّن المخرج السوري الشاب من حصد نجاح وجماهيرية مقبولة، خصوصاً عند المشاهد الذي ابتعد عن منطق المقارنة الظالمة بين «حدود شقيقة» ومسلسلات كوميديا الـ Farce أي الكاركتارات المبالغ فيها الشبيهة بهذا العمل مثل «ضيعة ضايعة» و«الخربة». في هذا العمل، تربّع الممثل السوري باسم ياخور على هرم النظام السوري بطريقة إسقاطية ذكية من خلال شخصية مختار القرية السورية. فيما كان الممثل اللبناني غبريال يمين بحاجة دائمة إلى من يتكئ عليه عساه يتمكّن من الوقوف على رجليه. يؤدي يمين دور شخصية مختار القرية اللبنانية الذي يوحي بحالة الضعف والتبعية التي يغرق فيها وطن الأرز. هكذا، بثّ العمل رسائل سياسية عميقة جرّد فيها الحساب الطويل للوجود السوري على أرض لبنان، معتمداً لهجة المناطق الحدودية بين البلدين الجارين. لكن كان على المشاهد أن يتريّث قليلاً حتى يتمكّن من الانسجام مع لهجة العمل. كذلك فإنه بمجرّد ابتعاد أيّ مشاهد عن الملف السوري اللبناني، سيشعر بغربة في هذا المسلسل. وقد علمت «الأخبار» أن قناة «الجديد» وشركة «فردوس دراما» في طريقهما لإنجاز جزء جديد من المسلسل، وسيبدأ حازم سليمان قريباً في كتابته لتدور كاميرا الحمد بعد نحو شهرين.



ثورة يناير | عشية الانفجار

أحداث رواية «منخفض الهند الموسمي» دارت عام 1999 كما كتبها أسامة أنور عكاشة. أحداث مسلسل «موجة حارة» المقتبس عن الرواية، تدور في عام 2010. صاحب الرواية وصنّاع المسلسل اهتموا بالإجابة عن سؤال محدّد هو: من يُنقذ المجتمع المصري؟ كل ما حدث في السنوات التي سبقت «ثورة يناير» كانت ستؤدي إلى النتيجة الحتمية. هذا المجتمع بات معداً للانفجار، انفجار ما زال مستمراً في الشارع، ويمكن قراءة أسبابه في أحداث المسلسل التي سبقت الثورة: فساد، وتجارة بالدين، ودهس الفقراء، ونظام يخدم فقط من يملك المال، إضافة إلى الدعارة التي تحوّلت شبكة يحمي أطرافها بعضهم بعضاً. وضع «موجة حارة» المصريين أمام المرآة رغماً عنهم مع كتابة احترافية لمريم نعوم و4 من المؤلفين الشباب، وأداء تمثيلي باهر للممثلين إياد نصار، ورانيا يوسف، وسيد رجب، ومدحت صالح.