خلال العقدين الأخيرين، انتقلت أفلام التحريك من كونها خدمة إضافية تقدّمها شركات الإنتاج السينمائي لمحاكاة الفئات العمرية الأصغر بين جمهورها لتصبح القاعدة التي تتكئ عليها تلك الشركات كي تحقق أرباحاً خيالية تعجز عن تحقيقها أهم الأفلام التي تصل كلفة إنتاجها إلى مئات ملايين الدولارات.
ما حققه The Lion King قبل نحو عشرين عاماً، شكل صدمة إيجابية للمستثمرين في السينما بعدما بلغت أرباحه عشرين ضعفاً (970 مليون دولار) من كلفة إنتاجه (45 مليون دولار). اليوم، ها هي شركة Illumination entertainment تستمتع بجني الملايين مع فيلم Despicable Me بجزئه الثاني الثلاثي الأبعاد متخطياً عتبة الـ 700 مليون دولار من الإيرادات في العالم بعد أقل من شهر على انطلاقته.
تقوم قصة العمل على البطل الشرير (بصوت الممثل ستيف كارل) الذي يعيش مع فتياته الثلاث اللواتي تبناهن في الجزء الأول، وهن مارغو (ميراندا كوسغروف) وأغنيس (إلسي فيشر)، وايديث (دانا غاير) الى أن يلتقي لوسي وايلد (كريستين ويغ) وهي ضابطة في منظمة AVL وهي «وكالة اليقظة من الأرض ضد الأشرار». تطلب لوسي مساعدته لإيقاف المجرم إل ماتشو (بنجامن برات) الذي قام بسرقة المادة الكيميائية PX41 التي تحوّل من مخلوقات غير مؤذية إلى وحوش مدمّرة وشرسة لا يمكن السيطرة عليها.
هذا الشريط يختلف كثيراً عن أفلام التحريك التي سبقته. قوته لا تكمن في القصة المشوقة أو الحبكة القوية. مقارنة بـ Lion king الذي بني على مسرحية هاملت، يبدو الشريط الذي أخرجه بيار كوفن وكريس رونو سطحياً إلى حد كبير. لكن قوته تكمن في مخيّلة الكاتبين سينكو بول وكين دوريو اللذين تعمّدا صنع شريط بقصة بسيطة، ووضعا ثقلهما في ابتكار العناصر الإضافية للعمل أكثر من القصة نفسها. البطل غرو ليس هو البطل الحقيقي للشريط إنما أتباعه الأقزام وهي مخلوقات صفراء صغيرة طريفة للغاية تصنع كل نكهة العمل. علماً أنّ نجاح هذا الابتكار دفع القائمين على الفيلم إلى إنجاز عمل كامل لها وحدها تحت اسم minions يُفترض أن ينجز العام المقبل مع ساندرا بولوك وجون هام.
انجاز الكاتبين لا يقف هنا. هما أبدعا في كتابة الشخصية الدرامية لأبطال العمل، واستطاعا تبديلها بسلاسة في الجزء الثاني. غرو الشرير لم يعد شريراً رغم أنّه حافظ على طباعه الجافة والغليظة، حتى أنّنا نراه مغرماً ورصيناً، وابنته مارغو نراها في شخصية مختلفة عندما تقع في غرام نجل إل ماتشو أيضاً، وهذا التبديل الطفيف في الأدوار يكسر الرتابة ويجعل الشخصية مرنة ولينة.
أما قيمة العمل الحقيقية، فتكمن في طبيعته أي في التحريك نفسه وتصاميمه الغرافيكية. كريس ميليداندري (سنتج minions أيضاً) بذل جهداً رائعاً في بناء عالم افتراضي كامل، مع تركيز على أصغر التفاصيل وأدقها، وهذا ما أعطى العمل نجاحه رغم الإهمال الواضح في بناء الحبكة الروائية. حتى أنّ تصميم الشخصيات ابتعد عن الواقعية. نحن نرى أبعاد الأجسام بغير حقيقتها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأبنية والطرقات وكل ما يظهر في العمل، فضلاً عن التصميم النموذجي والفريد للأتباع. كل هذه العناصر تصنع هوية خاصة للعمل وتشكّل جسر عبور من العالم الحقيقي إلى الآخر الافتراضي.
حتى لحظة كتابة هذه السطور، كان Despicable Me قد كسر الرقم الذي حقّقه الجزء الأول، وتخطّاه بنحو 150 مليون دولار. هكذا، احتلّ المرتبة الخامسة على لائحة أفلام التحريك على الكمبيوتر (المرتبة السادسة في أفلام التحريك عامة) الأكثر مشاهدة في التاريخ بعدما توقّف الجزء الأول عند المرتبة العاشرة. غير أنّ الشريط بدأ للتو عروضه في شرق آسيا وأميركا الجنوبية وأجزاء من أوروبا، مما يشير إلى إمكانية تحقيقه المزيد من الأرباح التي ستدخل تاريخ التحريك من البوابة العريضة... فهل يتكرس العمل كظاهرة سينمائية تاريخية؟



Despicable Me: صالات «سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير» (1269)، «غراند سينما» (01/209109)، «بلانيت» (01/292192)