فعلها مثقفو مصر ووحّدوا الهدف والتحموا بـ«حركة تمرّد» فأطاحوا الرئيس محمد مرسي. لكن هل حقاً نجحوا في «إزاحة» الإخوان؟ هل تهنأ الجماعة الثقافية اليوم باستبدال فاشية دينية بفاشية عسكرية؟ يرى كثيرون أنّ الكرة ما زالت في ملعبهم، وقد أكسبتهم «30 يونيو» ثقة بمواجهة الفاشية العسكرية. في لقائنا معه، بدا الروائي بهاء طاهر غاضباً من الإعلام الغربي الذي يصف «ثورة 30 يونيو» بالانقلاب العسكري وبالتعدي على الديموقراطية، يقول متهكماً رغم الجدية التي تعلو وجهه: «قناة cnn لا تختلف عن قناة «25 يناير» التي تكرّس للفاشية الدينية». الكاتب الأشهر الذي ينتمي إلى جيل الستينيات الأدبي، ذهب في صبيحة 6 يونيو، متكئاً على عصاه، لاقتحام مكتب وزير الثقافة الإخواني وبدء الاعتصام مع الروائي صنع الله ابراهيم والناشر محمد هاشم: «كان لدينا هدفان: الأول إبعاد الوزير الإخواني علاء عبد العزيز، ثم إسقاط النظام، وقد حققنا الهدفين».
ويشير إلى العمل مع شباب «حركة تمرّد» في ملء الاستمارات والحشد لـ«ثورة 30 يونيو»، بالإضافة إلى الوعي بوظيفة الفن، «فالعروض الفنية والموسيقية المقامة في الشارع أثناء الاعتصام كسبت أرضية جديدة من الأنصار في صف الثورة الشعبية، وتصدت للمقولات الرجعية التي بدأت تتعالى ضد فنون الباليه باعتبارها تحضّ على الرذيلة».
أما رد الفعل الأميركي، فهو ليس بجديد، يتساءل بهاء طاهر مستنكراً: «هل ما حدث في «30 يونيو» يمكن أن يقارن بانقلاب بينوشيه مثلاً؟» ويستدرك: «رغم أنّ انقلاب بينوشيه كان خفيفاً على قلب أميركا آنذاك». يعتدّ صاحب «الحب في المنفى» بالثورة الشعبية التي لم ترق فيها الدماء، ولم يقم فيها العسكر إلا بدور المساندة. وينظر إلى المستقبل بتفاؤل «سيحقق الشعب المصري أهدافه، رغم كل الدماء التي أسالها الإرهابيون».
«دور الشارع هو الحاسم» يقولها صنع الله إبراهيم بثقة من شارك في ثورة شعبية كاسحة ضمت الملايين وتحدث عنها العالم. ولهذا، لم يعد متخوفاً من الفاشية العسكرية، «لقد وقف الشعب قبلاً ضد المجلس العسكري حين ارتكب تجاوزات، ووقف اليوم ضد الإخوان. الضمانة هي استمرار الناس في الشوارع».
الكاتب الماركسي، صاحب الأعمال الأدبية الإشكالية يرى أن اعتصام أهل الفكر والثقافة كان لحظة فارقة توحدت فيها مجموعات شديدة التباين وشديدة الذاتية قلّ أن تجتمع على شيء. «أنا أيضاً لديّ مطالب كثيرة، أريد إلغاء وزارة الثقافة، وتطبيق الاشتراكية في البلد، لكنها ليست اللحظة المناسبة». والمستقبل؟ «الباب مفتوح بسلمية، بدون سلاح، بدون ضغوط، وقبل ذلك كله محاسبة مَن تسبّب بمقتل المصريين». أما الدرس المستفاد وفق ابراهيم، فهو «رفض أي حزب يبنى على أساس مرجعية دينية، وهو ما يعترض عليه العديد من الحركات الثورية في الإعلان الدستوري».
أما عن السيناريو الأميركي بعد سقوط الأقنعة في «30 يونيو» وانحياز الولايات المتحدة وتأجيجها للفاشية الدينية، فيؤكد صاحب رواية «أمريكانلي» أنّ أميركا خسرت الجولة الأولى و«ستحاول احتواء القيادة العسكرية، وإيجاد حليف جديد (حزب النور مثلاً)، لكن الفيصل هو صحوة الشارع واستمرار «حركة تمرد»».
في أحدث رواياته «الاسكندرية في غيمة»، تناول ابراهيم عبد المجيد تغير ملامح مدينته الأثيرة على أيدي جماعات الإسلام السياسي، ولكنها ليست إلا غيمة عابرة وستعود المدينة إلى طابعها الكوزموبوليتي السمح. تضامن عبد المجيد مع اعتصام أهل الثقافة والفن، رغم أنّه من دعاة إلغاء وزارة الثقافة كاملة. وعن استبدال الفاشية الدينية بأخرى عسكرية أتت بها الجماهير مع «30 يونيو»، يؤمن عبد المجيد بأنّ الشباب الذين صنعوا «ثورة يناير» كانوا قادرين على تجديد الثورة خلال «حركة تمرد». «المجلس العسكري يخوض اليوم تجربة المرحلة الانتقالية السابقة ولن يدخل نفسه في عداء مع الجماهير من جديد». لكن الخوف بحسب عبد المجيد هو «تغلغل النظام القديم في الحياة السياسية». ويشدد هنا على أهمية إلغاء فكرة الأحزاب ذات المرجعية الدينية في الدستور المقبل، على أن «تتم محاسبة كل صاحب جرم ارتكبه، بعيداً عن مزج الدين بالسياسة».