هناك أشخاص في المدينة لا نحتمل أن يتواروا كثيراً عن الأنظار. بين هؤلاء روجيه عسّاف، أحد صنّاع العصر الذهبي لبيروت. المدينة المختبر التي أنجبت التجارب والأفكار والتيارات والأشكال الفنيّة، عاصمة الثقافة العربيّة في عصر مضى، رحم الحداثة وأحلام التقدّم والتغيير والتمرّد. ربّما لهذه الأسباب، ورغم علمنا أنّه منكب على مشروعه الأثير: كتابة تاريخ المسرح، لا نحتمل صمته طويلاً في زمن الردّة، وسيادة المهرّجين الدمويين وتجّار الفتنة والأقزام. تسمع خطاب رئيس الجمهوريّة بالأمس فتظنّ نفسك في تلفزيون الواقع، أمام مرشّح غير مقتنع بشخصه. لو أن روجيه هو مخرج العرض لأرسله ليتدرّب مع المقاومين ويلمس ايمانهم قبل أن يعود إلى المنبر. المسرح جميل وحقيقي حين يقف عليه روجيه بأدائه «الميكانيكي» الموروث عن مايرهولد وبريخت والحكواتي. بالأمس فيما جيشنا غارق تحت وابل المزايدات الجوفاء غالباً، كنّا في سرّنا، من دون أن يعرف صاحب العلاقة، نحتفل بعيد ميلاد الولي الصالح، المواطن روجيه عسّاف. ما كنّا لنعلم بالأمر أصلاً، لولا أن المسرحي ساسين كوزلي الذي يتطيّر مثل أمّي من الأحلام البشعة، اتصل بالمعلّم للاطمئنان، فعرف بالمناسبة من حنان، وأفشى لنا السرّ. قلنا إذا كان لا بدّ من مناسبة نحتفل بها فلتكن عيد ميلاد روجيه، هذه المؤسسة الوطنيّة القائمة بذاتها، المناضل الذي يؤمن أن المسرح مدرسة المواطنة والانسانيّة، وفضاء انصهار الجماعة لحظة استعادة ذاكرتها وحقّها في الكلام. إنّه المثقّف العضوي الذي دخل الاسلام من بوابة غرامشي، حارب إسرائيل والاستبداد، وبقي مناضلاً من أجل الحريّة والعدالة. أمس، الأوّل من آب (آغسطس)، كان (أيضاً) عيد روجيه عسّاف!

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@