قبل أسابيع، أطلق مازن كرباج كتابه الفرنسي المصوّر «رسالة إلى الأم» في «مركز بيروت للفن» في موازاة معرضه الذي يضمّ الرسومات الأصلية في الطابق الثاني من المركز. يحمل كتاب Lettre à la Mère اسم الفصل الأول منه، ويشتمل على ١٤ فصلاً من الرسومات نشرت سابقاً في إصدارات مختلفة، لكنّها تُقدَّم هنا مجتمعة في «رسالة إلى الأم» الصادر عن «دار أبوكاليبس» الفرنسية.
في جزء من الكتاب، يلجأ كرباج إلى شخصياته ومنطق قصصه التي ألفناها سابقاً في إصدارات عديدة، منها فوق صفحات «الأخبار». تحت عنوان «الآن» في الكتاب، يتوجّه بالحديث إلى يوم الجمعة خلال الساعات الأربع الأخيرة قبل انقضائه وقدوم نهار السبت. ذلك الأسلوب الخاص في رسم الشخصيات، ومنطق الرواية والحوارات الذي لا يخلو من العبثية، نجح كرباج في تكريسه وخلق جمالياته ومفرداته الخاصة والمميزة. وهو يظهر في فصول عدة من الكتاب متخذاً خصوصية مختلفة في كل منها. لكنّ الجزء الأكثر أهمية يبقى ذلك الخالي من تلك الشخصيات الذي يقدم عبره علاقته بمدينة بيروت وموضوعات أخرى.
ليست الأم في الفصل الأول سوى بيروت. «اليوم ماتت أمي»، هكذا يستعير كرباج العبارة الأولى من رواية ألبير كامو الشهيرة «الغريب». «كم مرّة تمنيت أن أكتب تلك الجملة، كي لا أعود أراك أو أسمعك». بيروت، مدينة الكاتب وأمه، لم تمت، لكنه حافظ على شعور الغربة «الكاموية». هكذا يتنقل في رسوماته عبر معالم معمارية وجغرافية في المدينة بحثاً عن تحديد علاقته بها: من «سيتي سنتر» إلى «هوليدي إن»، فالروشة، وبرج المر، و«مبنى بركات» على السوديكو، وصولاً إلى ساحة الشهداء بتمثالها وجامعها وكنائسها، ومبنى شركة كهرباء لبنان وناطحات السحاب الزجاجية. رحلة بانورامية على معالم هي بمعظمها من مخلّفات الحرب الأهلية التي يرى فيها كرباج حجة جاهزة دوماً لتبرير كل شيء. في الفصل الأول، يستعرض الفنان مشاعره تجاه تلك المدينة بعدما عاد إليها كعودة العاشق. مشاعر مجبولة برغبة القتل وبذكريات الخوف. أمام تلك المدينة المتصابية اليوم بفعل البترودولار، يرى كرباج أنّ الزمن يجري والموت يقترب. مع ذلك، فهو ما زال يحبها ويكرهها. يتميّز الفصل الأول عن باقي الكتاب بأسلوب الرسم الدقيق والمفصل الذي لم نعتده في رسومات كرباج سابقاً. وفيما تخلو الرسومات من أي شخصية، يفرد كرباج مساحة صفحاته لرسم معالم المدينة باللون الأبيض والأسود، مستعيناً بالأزرق والأصفر الداكن للخلفيات وتفاصيل أخرى. أما في الإخراج الفني، فقد اختار أن يظهر مبنى «هوليدي إن» مثلاً من أربع زوايا ضمن أربعة مربعات. على كامل الصفحة المقابلة، تظهر لقطة مقربة للمبنى. ذلك الخيار يحيلنا إلى الصورة الفوتوغرافية التي تحاول الإحاطة بالمباني من كل جهة، والتقاط تفاصيلها. وإن كان الفنان اختار إلغاء المباني عبر تحويلها إلى مربعات صفراء، إلا أنه اهتم برسم التفاصيل الواقعية للمباني المقصودة. جميع تلك الخيارات قدمت جمالية عالية للفصل الأول وأتت مؤاتية لذلك البحث عن تحديد علاقته ببيروت بين تلك المباني والمعالم. في الفصل الرابع الذي يحمل عنوان L‘Ovni، يرسم مبنى «سيتي سنتر» أو ما تبقى منه بتصرف يعكس نظرته وتخيلاته له عبر مراقبته له منذ الصغر حتى اليوم. علماً أنّ الفصل الذي يحمل عنوان Autoportrait en marchant et regardant le sol الذي يتميز ببساطته في الرسم والنص، يقدم مادة مشوقة تؤثر في القارئ بالتفاصيل رغم أنّه لا يرسم سوى أرض من الحصى وبعض التفاصيل الأخرى. بين تنوع أساليب الرسم، والمواضيع، يقدم «رسالة إلى الأم» مادة قيمة بريشة مازن كرباج.

«رسالة إلى الأم»: حتى 3 آب (أغسطس) ــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي، بيروت) ـ للاستعلام: 01/397018



ارتجال

مازن كرباج (١٩٧٥) رسام، لكنّه أيضاً موسيقي. قدم أول حفلة له في الموسيقى الارتجالية على المسرح في عام ٢٠٠٠. بعد عام، أسّس مع شريف صحناوي مهرجان الموسيقى التجريبية الحرة «ارتجال» الذي أصبح محطة أساسية في روزنامة المهرجانات الموسيقية في بيروت، وقد استضاف الحدث السنوي موسيقيين لبنانيين وعالميين. من خلال مسيرته ودوره في «ارتجال»، يعتبر كرباج من الفاعلين الأساسيين في تطوير ساحة الموسيقى التجريبية في العالم العربي. قدم عروضاً عدة في لبنان والعالم، وسجّل ألبومات عدة منها الفردية أو برفقة موسيقيين محليين وعالميين.