هناك مقولة شهيرة للكاتب والممثل الأميركي سيث جودين، يعرفها جيداً المشتغلون في التسويق والإعلانات: «لا تبحث عن زبائن لمنتجاتك، ابحث عن منتجات لزبائنك». المعادلة واضحة وسهلة، لا تحتاج إلى عبقرية. مع ذلك، لا يبدو أنّ وزارة السياحة اللبنانية تفقه شيئاً منها، إذ تبحث في إعلاناتها عن زبائن لمنتجاتها أو بالأحرى لخدماتها السياحية في بلد تكاد تغيب عنه كل العوامل المساعدة على نمو سياحة حقيقية. في إعلانها الجديد، اختارت الوزارة أن تشرك الفنانين يارا وعاصي الحلاني في التسويق للبنان، بحثاً عن «زبائن» لهذا البلد. بلد يصوّره الإعلان أحلى بلدان العالم! تعتمد الدعاية على معادلات مرتبكة (وجمل ساذجة) على وقع موسيقى «رح حلفك بالغصن يا عصفور»، محاولةً تسمية الأشياء بغير أسمائها: «بيقولوا ما بيسوى نقعد بالشمس» تقول يارا، فيجيبها الحلاني: «بس في أحلى من الشمس؟»، ثم يستطرد: «بيقولوا كثرة الأكل بتضرّ»، لتجيب يارا: «بس في أحلى من الأكل؟». ثم تتابع يارا قائلةً: «بيقولوا ما لازم نتأخر بالليل»، فيرد الحلاني بعبارة: «بس في أحلى من السهر؟». وهكذا، حتى نصل إلى المعادلة المميتة من الضحك على لسان الأخير: «بيقولوا ابعدوا عن الخلافات»، فيكون جواب الفنانة الشابة: «بس في أحلى من الديمقراطية؟»، ويخلص الإعلان إلى: «بيقولوا تجنّبوا لبنان. ليش في أحلى من لبنان؟».
نحن أمام دعاية مصوّرة تحاول تسويق منتج منتهي الصلاحية من خلال عملية غشّ موصوفة. تحوّل القبح إلى جمال، والخطأ إلى صح، حين تعتبر أنّ «خلافاتنا» (والأصح حربنا الأهلية) دليل على الديمقراطية، مع أن القاصي والداني يعلمان أنّ خلافاتنا يسيل منها دم كثير، وتفوح منها روائح طائفية كريهة. يتوجّه الإعلان طبعاً إلى مواطني دول العالم التي تطلب إلى رعاياها، عند كل مفترق لبناني، تجنّب البلد الصغير. هذه الدول تفعل ذلك، ليس لأنّ الشمس مؤذية، أو الطعام «بيضر»، أو لأنّ رعاياها يتأخرون ليلاً، بل لأنّ خلافاتنا ليست ديمقراطية البتة. يتفهم المرء رغبة وزارة السياحة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم السياحي الذي بدأ مع اعتداء أحمد الأسير على الجيش، ويستمر مع مهرجانات قتل الزوجات وبتر أعضاء المتزوجين من طوائف مختلفة، فضلاً عن وصلات من التفجيرات والخطابات السياسية المحشوة بالحقد والدعوات إلى الانتقام. لكن، ما هكذا تورد الإبل يا معالي الوزير فادي عبود. لا تبحث، مع وزارتك، عن سيّاح للبنان. ابحث عن سياحة تجذب السيّاح، وعن بيئة حاضنة لسياحة آمنة، أو ربما يمكن استثمار الإمكانات المتوافرة في لبنان التي تخوّلك التسويق بامتياز لمفهوم «سياحة الحرب» التي تجذب كثراً ممن يبحثون عن بقع الحروب والخلافات لعيش تجارب «مشوّقة»! ويمكن هنا الاستعانة بفضل شاكر وأحمد الأسير وصور القتل والدمار والدماء على ايقاع أنشودة «سوف نبقى هنا»!