صنعاء | تقيم جوديث شبيغل وزوجها بودواين في اليمن منذ أربع سنوات. خلال هذه الفترة، صارت الصحافية الهولندية... يمنية. عندما تسير في الشوارع القريبة من منزلها، يصافح الناس تلك الفتاة اليمنية المنحدرة من أصل هولندي. «لقد صارت يمنية». هكذا يقول عنها الجيران الذين لمسوا مزاج قلبها الطيّب. اختلطت بتفاصيلهم، وصارت تعرف عادات محيطها. حفظت ماذا عليها أن تفعل صباح يوم الجمعة. ماذا عليها أن ترتدي في رمضان، ماذا يأكل الناس صباح العيد، ماذا عليها أن تفعل لو أنجبت جارتها مولوداً جديداً.
في المقابل، حفظ الجيران عاداتها. تنهض صباحاً في السادسة مع زوجها ويخرجان لملاعبة كلبهما الصغير. دقائق ويذهبان إلى ملعب كرة المضرب القريب من المنزل. يعودان، ثم يذهب الزوج إلى شركة التأمين التي يديرها، فيما تبقى هي في البيت كي تكتب تقاريرها الصحافية لإذاعة «هنا أمستردام» (القسم العربي في «راديو هولندا») التي تعمل جوديث لها من اليمن. وهكذا مرّت بها الأيام، عليها تسير واعتادها الجيران.
لكن حدث غياب. يوم لم تظهر فيه جوديث مع كلبها أمام البيت. تلاه يوم آخر وثالث. اقترب الأسبوع من اكتماله وجوديث لم تظهر. انتبه الناس منذ اليوم الأول، لكنّهم قالوا إنّه ربما أقعدها مرض أو ظرف طارئ، فلم يسألوا. لكن الغياب طال ولم يتضح سببه إلا بعد شهر كامل تقريباً. في 15 تموز (يوليو)، ظهر تسجيل فيديو على اليوتيوب وبدت جوديث وزوجها وخلفهما لحاف يغطي جداراً عارياً. إنّه اختطاف إذاً. تناوبا الحديث باللغة الهولندية، وناشدا حكومة بلادهما ضرورة التدخل للإفراج عنهما مقابل فدية، لتغرق بعده جوديث في دموعها. دفع الفدية أو سيكون القتل مصيرهما خلال عشرة أيام.
حالات اختطاف الأجانب في اليمن ليست جديدة، لكنّها لم تكن في الغالب بهدف الحصول على فدية. يلجأ رجال القبائل إلى الخطف من أجل الضغط على الحكومة لتحقيق مطلب خدماتي ما، أو الإفراج عن معتقل من القبيلة تحتجزه الدولة. وهم هنا لا يلجأون إلى خطف يمنيين مثلهم، فهم يعرفون أنّ الحكومة لن تكلّف نفسها عناء السؤال عنهم.
لكنّ الخطف من أجل فدية مالية هو أمر جديد، ولم يُسمع عنه إلا مع حالة الانفلات التي شهدتها البلاد إثر رحيل علي عبد الله صالح. وهو خطف يهدف إلى الحصول على تلك الفدية من دول خليجية مجاورة، وخصوصاً بعدما أصبحت تلك الدول لاعباً أساسياً في العملية السياسية في اليمن بعد المبادرة الخليجية التي أقصت صالح عن الحكم. في شباط (فبراير) الماضي، أسهمت قطر في الإفراج عن رهينة سويسرية قضت نحو عام لدى تنظيم «القاعدة». وفي أيار (مايو) الماضي، نجحت السلطات العمانية في التدخل للإفراج عن فنلنديين ومواطن نمساوي كانوا مختطفين لمدة أربعة أشهر. ومن المؤكد أنّ كل هذه العمليات لم تنجح إلا بعدما دفعت قطر وعمان مبالغ كبيرة للخاطفين، وهو السيناريو الذي يريد خاطفو جوديث وزوجها السير عليه. لكن اللافت هنا خروج معلومات أكيدة تشير إلى أنّ عملية اختطاف الصحافية الهولندية وزوجها قد حصلت بترتيب مع عناصر أمنيين رسميين. فقد حصل الاختطاف من البيت، وبعده جرى إخراجهما من العاصمة صنعاء. عملية لم يعترضها أحد، مع أنّ البيت يقع في منطقة شهيرة وحصينة لا يخلو شارع فيها من رجال أمن بهدف حماية الجهات الديبلوماسية التي تقيم هناك. هي مهنة جديدة إذاً برعاية أمنية من النظام السابق ما زالت تعمل إلى اليوم. خطف مقابل المال. الآن، جوديث وزوجها في الأسر، والأيام تقترب من موعد الإعدام. السلطات اليمنية لا تقول شيئاً، فيما تؤكّد الحكومة الهولندية أنّها تتابع الحالة، لكنّها لا تدلي بتفاصيل علنية. ناشطون وصحافيون يمنيون أطلقوا حملة إلكترونية لجمع مليون توقيع بهدف إطلاق الضحيتين، فيما تواصل جوديث بكاءها، ونخالها تتذكر كيف شاركت في الكتابة عن شباب الثورة والمجازر التي كانوا يتعرضون لها خلال «الربيع» اليمني.
مرةً، سألوها إن كانت تخاف من الإقامة في اليمن، فقالت إنها تخاف على اليمنيين أكثر مما تخاف على نفسها، «إنهم يعانون الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية، أنا لديّ بلد أعود إليه إذا حدث أي مكروه في اليمن، لكن هم أين يذهبون؟». هل أخطأت جوديث شبيغل عندما أعلنت حبّها لليمن وأهله؟