في عصر التوزيع الموسيقي وشركات الإنتاج، وبعدما مرّت الموسيقى بحقبات عدة من عصر المؤدي ثم المؤلف ثم المؤدي مرةً أخرى، يقول أسامة الرحباني في حديثٍ مع «الأخبار» بأنّ الموسيقى «وصلت إلى حائطٍ مسدود بعد العصر الحديث الذي وصفه العالم الموسيقي الألماني كارل داهلهاوس في كتابه «موسيقى القرن التاسع عشر» بأنّه نقطة بالغة الوضوح في قَطع التسلسلية التطوّرية للتاريخ الموسيقي، فجاءت الموسيقى المعاصرة لتدخل الموسيقيين في نوعٍ من التشرذم، حيث لم يعد هناك قاعدة تمارس في التأليف تارةً لتُكسر طوراً، بل ذهبت إلى عبثية كاملة حيث يتم تسجيل ضربة مسمار وإدخالها في مجموعة أصوات على أنها موسيقى».
يشير ابن منصور الرحباني إلى أنّه لا يزال متعلقاً بالمدرسة الكلاسيكية في التأليف والتوزيع. يعني بذلك الموسيقى التي تُحتضن في قالب أوركسترالي أو توزيع هارموني غربي وإن كان يؤَدَّى بعشر آلات فقط. وهذه المدرسة يمارسها كثيرون ممن اتخذوا هذا المسار في لبنان بعد القفزة النوعية التي مارسها الأخوان الرحباني في «أركسة» وتغريب الموسيقى بطريقة بسيطة تدخل إلى المستمع العربي بشكلٍ سلس. نذكر من هؤلاء مرسيل خليفة، وليد غلمية، جوليا بطرس، ماجدة الرومي... لجأ بعضهم إلى إحضار فرق جاهزة من الخارج لتأدية أعمال تعتبر خليطاً بسيطاً من حضارات غربية وشرقية تشعرنا في الكثير من الأحيان بضعف مضمون العمل الموسيقي مقابل ضخامة الأوركسترا. 
مستدركاً لهذه الإشكالية في ظاهرة بدأت تشكل خطراً على حيثية ومسار الموسيقى العالمة في لبنان، يشير أسامة الرحباني إلى أنّ عرض «ليلة صيف رحبانية» (إعداد وإنتاج وإعادة توزيع أسامة الرحباني، وإشراف مروان الرحباني) ضمن «مهرجانات بيبلوس» سيتخذ منحى آخر أكثر جدية في التعاطي مع أوركسترا ضخمة كالأوركسترا السمفونيّة الوطنية الأوكرانية التي ستؤدي العمل بقيادة فلاديمير سيرينكو. علماً أنّ الأخير قاد بعض أعمال مرسيل خليفة وأعمال بشارة الخوري الاوركسترالية التي صدرت في أسطوانة The Ruins Of Beirut / Hill Of Strangeness (2002) وصُنّفت آنذاك تحت اسم «كلاسيكيات القرن الحادي والعشرين».
في نبذة خاطفة عن حياة أسرة الرحابنة الجدد الموسيقية، نرى في أعمال غدي، وأسامة ومروان حقبة جديدة في الفن الموسيقي الاستعراضي. على عكس المسرح الرحباني، يعتبر الجانب المرئي من مسرح «منصور ما بعد عاصي» جزءاً لا يتجزأ من العمل، حيث يسيطر الإخراج والرقص والأزياء والديكور والتعبير الجسدي على انسيابية توالي الأحداث.
تتميز  هذه الموسيقى بكثرة استعمال النموذج اللحني المتكرر على درجات مختلفة كقالب تأليفي (immitation)، نسمعه في أعمالهم مثل أكثرية أغنيات مسرحية «دونكيشوت» كـ«أحمر أزرق»، و«يمكن صرلي أكتر من دهر»، «مين يلي بيختار»، «ضحكت الحقول» التي تتضمن جملة شرقية على مقام بياتي، وهو أمرٌ نادر في موسيقاهم التي تعتمد على المقامات الغربية لتناسب التأليف الهارموني. كما نرى هذا الطابع التأليفي على قالب البناء النموذجي أيضاً في أعمالٍ عالمية أعادوا توزيعها كبعض أعمال أسطوانة «لا بداية ولا نهاية» نذكر منها «تانغو الحرية» (ألحان أستور بيازولا)، «لا بداية ولا نهاية» (ألحان ميشال لوغران). أما في ما يخص طبيعة أداء المغنين المشاركين في هذه الحفلة (غسّان صليبا، رونزا، هبة طوجي، نادر خوري، سيمون عبيد وإيلي خياط)، فقد تميز بكثرة القفزات اللحنية التي تصل إلى أوجها مع هبة طوجي التي تلعب دور سوبرانو كولوراتورا. إذ يتميز أداؤها بالغنى التأليفي الذي يقترب في بعض الأحيان من المؤلفة والمؤدية الأذبرجيانية عزيزة مصطفى زاده في «المرتزقة» من أسطوانة «لا بداية ولا نهاية» و«كاسك يا مدينة» من مسرحية «دونكيشوت». بعد حفلة الأمس في جبيل التي لاقت إقبالاً واسعاً وأداءً ناجحاً من حيث الدقة والضخامة الصوتية، سيطل عمل الرحابنة بعرض آخر هذه الليلة مع الأوركسترا السمفونيّة الوطنيّة الأوكرانيّة، بقيادة فلاديمير سيرينكو وأداء صوتي لغسّان صليبا، ورونزا، وهبة طوجي، وإيلي خياط، ونادر خوري، وسيمون عبيد، وسيضم أغنيات قديمة للأخوين الرحباني، وجديدة نسبياً كأعمال منصور، والياس، وغدي، وغسان وأسامة، وأغنيات أخرى لم تنشر بعد نذكر منها «كل يوم بالك صباح الخير» وهي أغنية ستصدر في ألبوم لهبة طوجي يتألف من 15 عملاً.



«ليلة صيف رحبانية»: 21:30 مساء اليوم ــ «مهرجانات بيبلوس» ــ 01/999666