درس سعد الله ونوس المسرح في فرنسا حيث عاشر جان جينيه واستقى من أعمال برتولت بريشت وصموئيل بيكيت، مما هيّأه سلفاً لإنتاج مسرحي يمزج بين الشرق والغرب على غرار «طقوس الاشارات والتحولات» الذي أخرجه الكويتي سليمان البسّام (1972 ــ الصورة). تشرّب الأخير أيضاً الثقافة الشرقية والغربية لأنّه يركز عمله على إعادة طرح المواضيع الكبرى التي تناولها شكسبير في ضوء الاشكاليات والاضطرابات التي تعصف بالشرق الأوسط اليوم مثل ثلاثيته «مؤتمر هاملت»، «ريتشارد الثالث»، و«ودار الفلك».
منذ البداية، كان البسام على بيّنة من المزالق الاستشراقية في هذه المسرحية الشديدة التعقيد التي تدور كما يصرّح لـ«الأخبار» في دمشق «في منتصف القرن التاسع عشر، أي في أوج النظرة الاستشراقية الأوروبية إلى العالم العربي والإسلامي». مع ذلك، أخذ عليه بعض النقّاد الذين حضروا المسرحية وقوعه في فخ الاستشراق. يقول البسام: «طبعاً، لكل واحد الحق في أن يرى ما يريده، لكنّ المسرحية تدافع عن نفسها. الخيارات التي حاولت أن أدافع عنها بعيدة عن الغرابة، مع العلم أنني قبلت الرهان الجمالي الذي يقضي بالحفاظ على الحكاية وطريقة عرضها وصياغتها وهو أمر ضروري جداً للقصة».
تركّز عمل البسام على أقلمة اللغة المحكية في الكثير من الأجزاء. يوضح: «سعيت أنا والمترجمة رانيا سمارة إلى صياغة لغوية معاصرة كانت غائبة في النسخة الأولى التي ترجمتها. عملت رانيا على اعادة الصياغة اللغوية». كانت التحديات كثيرة خلال إخراج هذه المسرحية التي أُنجزت بالتعاون مع نجوم المسرح الفرنسي: دوني بوداليدس (أدى دوري عبد الله والشيخ محمد)، تييري هانسيس (المفتي)، سيلفيا بيرجي (وردة)، وجولي سيكار (مؤمنة/ ألماسة). ليس العمل مجرد أقلمة لغوية فحسب، بل تطلب أيضاً أقلمة للمرجعيات الثقافية... هذا كلّه في ظل قيود فرضها المنتجون: «أرادوا ألا تتعدى المسرحية الساعتين وربع الساعة، مما اضطرني لأقلمة النص الأساسي الذي يُعرض في 4 ساعات على الأقل، واتخاذ خيارات مسرحية درامية». حتى ولو انتقده البعض لأنّ مسرحيته اكتست طابع «الاستعراض»، يبقى عمل البسام قريباً من نص ونّوس وحركته الكاملة: الانفصال عن الأنظمة، أشكال السلطة الموجودة، سلطة رجال الشرطة، السلطة الدينية، والسلطة الذكورية و«المقدس» و«المدنّس»، وتمرّد الفرد كما فعلت ألماسة أو أفصح المثلي.
ينجز البسام ذلك كله بجسارة، متجرئاً على تعرية الممثلين على الخشبة، مسلطاً الضوء عليهم، فيقدم على «تدنيس» ما هو «مقدس» ببعده العالمي وليس الاسلامي لأنّ السيطرة الدينية هي المطروحة بالتوازي مع الديكتاتورية وليس الاسلام. والنتيجة لوحات تحمل حساً جمالياً رائعاً إلى جانب شغل الإضاءة، وكتابات عربية معروضة على الجدران أو منقوشة على أجساد الممثلين (عبد الله الذي أصبح مجنوناً بالرب) ومصابيح تتأرجح كالضمائر في الصراع مع الذات بغية احتواء الشغف لكن بلا جدوى، فنغرق في بحر الرغبة.