في إطار الحملة الموسعة الرامية إلى الدفاع عن حق الكاتب سجين الرأي والإبداع أحمد ناجي (الأخبار 22/2/2016) الذي كفله له الدستور كمواطن يتمتع بكامل الحرية في التعبير عن آرائه وإبداعه بحرية، نظم «المجلس الأعلى للثقافة»٬ أخيراً، مؤتمراً حاشداً تحت شعار «الحماية القانونية لحرية الفكر والتعبير... نحو مجتمع حر ومبدع» بحضور كل من وزير الثقافة المصري حلمي النمنم٬ ومحمد نور فرحات، ووزير الثقافة الأسبق جابر عصفور، والشاعر أحمد عبد المعطى حجازي٬ ورئيس «جامعة القاهرة» جابر نصار، ونقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد.
في بداية كلمته، قال النمنم إنّ حبس المثقفين شيء معيب بحقنا كمصريين، لأنّ الحرية كانت أول مطالب الثورة. مصر الآن تمرّ في أزمة حقيقية خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى شهرين، حيث تم حبس ثلاثة من المبدعين، وما يحدث على طاولة المحاكم من قضايا ضد المثقفين يعدّ إصراراً من بعضهم على تقييد الحرية٬ إضافة إلى أننا أمام سلطة قضائية ودستور يحمي المبدع. ومنذ 1995، كان هناك نضال لإلغاء قوانين تقيد حرية الرأي والتعبير، وتم بالفعل إلغاء قوانين تقييد حرية الرأي والتعبير المعروفة باسم «قوانين الحسبة». لكن في الحقيقة، إن هذا الإلغاء كان بصورة شكلية فقط، ولم يتم على أرض الواقع». وأكد النمنم أنّه ضد الحبس في النشر والإبداع، والهدف الأساسي لانعقاد المؤتمر هو إمكان الخروج بتوصيات يمكن رفعها للدولة، لأن من المعيب بحق الدولة أن تكون هناك مادة في القانون تسمّى «ازدراء الأديان». قانون صدر في التسعينيات في الأساس٬ بهدف مواجهة الإساءات ضد المسيحيين٬ بخاصة الكتابات المسيئة والسباب الذي كان يكتب على أبواب بيوتهم».
رأى جابر عصفور أنّ النيابة العامة لا تقل في تشددها عن «داعش»

من جانبه، أطلق الناقد جابر عصفور قذائف نارية واتهامات واضحة صريحة للقضاء بأنه مخترق من جماعة الإخوان المسلمين ومن السلفيين على السواء٬ وأن خطابه، خاصة النيابة العامة، لا يقل في تشدده وتطرفه عن تنظيم «داعش» الإرهابي الدموي. وتابع: «أشهد أنّني لم أسمع في حياتي خطاباً سياسياً جامداً ينتمي إلى «داعش» مثل هذا الخطاب الذي استمعت إليه من وكيل النيابة الذي كان يقرأ دعوى الادعاء، مطالباً بأقصى درجات العقوبة. وبعد مرافعة الادعاء٬ دخل القاضي للمداولة واستدعاني لأنني لم أكن قد قدمت شهادتي٬ ودخلت وقال لي القاضي: لا داعي لشهادتك، فقد جئت متأخراً، لكننا نرحّب بك ونعلم ماذا يمكن أن تقوله٬ وسلّم عليّ وحيّاني بمودّة. وبالفعل، حكم هذا القاضي بالبراءة، لكنّ قاضياً آخر بعقيدة أخرى حكم بالسجن على الشخص الروائي نفسه أحمد ناجي. إذن ما الذي نفهمه من هذا؟ نفهم ببساطة أن كل قاض يحكم بعقيدته. عندنا قاض يحكم بعقيدته السلفية٬ وعندنا قاض يحكم بعقيدته المستنيرة. فإذا وقع الأديب في يد قاض مستنير، خرج ببراءة ولم يسجن. أما إذا كان تعيس الحظ، ووقع أمام قاض غير مستنير، فإن السجن هو النهاية الطبيعية للحكم. وهذا ينبغي أن يتأمل فيه السادة القانونيون كثيراً. إن القضاء يخضع للحظ. هذا الحظ يأتي لأن الأطراف التي تقوم بهذه القضية ثلاثة: أولاً مواطن غير مستنير غالباً سلفيّ الاتجاه٬ ثانياً وكيل نيابة غير مستنير ربما يكون في الغالب سلفي الاتجاه٬ ثالثاً قاض غير مستنير أو قاض مستنير. إذن فكتابة المثقف مرهونة بالحظ. إذا جاء حظه في قاض مستنير، استمع القاضي وانتهى الأمر. أما إذا جاء حظه في قاض غير مستنير، فسينتهي أمره بالحبس».
أستاذ القانون الدستوري جابر نصار أكد أنّ «المادة 67 من الدستور التي تنصّ على حرية الإبداع، قد أسقطت النصوص القانونية التي يحاكم المبدعون على أساسها، مطالباً الدولة بالحفاظ على الحرية والمثقفين وليس سجنهم، فحرية الإبداع مكفولة، ويجب ألا تُوقع أيّ عقوبة سالبة للحرية وفقاً لنص الدستور، لكن المشكلة ليست في النصوص، بل في الوعي المجتمعي الذي يحتضن النصوص، فنحن نعيش أزمة طاحنة كمجتمع ودولة بسبب المنتجات المتطرفة».
بدوره، أكد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي أنّ «ظهور جماعة الإخوان الإرهابية عام 1928 كان بداية الشر، إذ كان لهم ممثلون في الأزهر حاكموا الشيخ علي عبد الرازق آنذاك. وفي 1952، بدأت مذبحة لم تنته حتى الآن، والكتاب اليساريون فقدوا أماكنهم وأودعوا المعتقلات. حتى هذه اللحظة، نسير من سيّئ إلى أسوأ. وعلى الرغم من أن الدستور يكفل حرية التعبير، إلا أن مادته الثانية هي أساس البلاء٬ ولا بد من أن نعترف بأننا لم نتمتع بحرية التعبير والتفكير يوماً واحداً، ولكن عرفنا التسامح الفكري وليس التعبير عن الحرية». وأشار إلى أنّ القرآن نص على الحرية في العقيدة، فمن يشاء يؤمن، ومن شاء يكفر، ولكن لا أحد يقدم الحرية.
وفي جلسة المؤتمر الثانية التي امتدت حتى منتصف الليل٬ قال المستشار عصام الإسلامبولي إن حرية الرأي هي التي «أعطتنا الدستور، ويبدو أن الدولة تزدري الدستور الذي وضعه المجتمع المصري، والذي لم يطبق حتى الآن. الدستور الجديد يختلف في قضايا حرية الرأي والتعبير حيث وضع للمواد قوة إلزامية للتطبيق، وهناك المادة 71 التي تحمي حرية النشر أيضاً، حتى إذا لم يمثل إبداعاً، فمجرد النشر يمنع تطبيق عقوبة بالحبس، ويجب تطبيق حرية الرأي والتعبير».
في سياق متصل، قال الناشط الحقوقي نجاد البرعي: «تحتوي القوانين على العديد من المفاهيم التي لا تعرف، مثل جرائم الإهانة، فهي متروكة لتقدير المحكمة، ولدينا تهمة تمت إضافتها حديثاً وهي الازدراء، إلى جانب قضية تكدير السلم العام. ولهذا، فأي كلام يقال قد يقع تحت هذه القضايا، وهي تهم متروكة للقاضي. مثلاً، رواية أحمد ناجي متروكة للقضاة، فمنهم من رأى أنها لا تخدش الحياء العام٬ وحكم بالبراءة في الدرجة الأولى٬ وآخر رأى أنها تخدش ولم يأخذ برأي المختصين من أهل الأدب والإبداع، فحكم بأقصى عقوبة، وهذه مشكلة تتعلق بحرية الرأي والتعبير».