هل نسأل أنفسنا نحن الإعلاميين، بل قل أغلبنا تفادياً للتعميم، عن معنى العبارات التي نستخدمها في تقاريرنا ومقالاتنا ورسائلنا اليومية؟ أو تلك التي ننقلها عن ألسنة سياسيينا؟ هل فكّرت مثلاً، يا زميلي الصحافي، في معنى عبارة «قطع دابر الفتنة»؟ ما هو «الدابر»؟ لسان العرب، مُعجَمنا، يقول إن «دابر الشيء: آخره».
وإذا كانت الفتنة أفعى، كما يصفها زملاء آخرون، فعلى الغالب إن قطع دابرها لن يأتي بنتيجة، بل يصير لزاماً علينا قطع رأسها للتخلص منها. وإلا فإن الفتنة، بقطع دابرها، قد تستيقظ من نومها، ويكون قاطع دبرها هو قاطع نومها وموقظها، وبذلك تجوز اللعنة عليه!

جديّاً، معظم العبارات التي تستخدم مع موضوع الفتنة تثير الغرابة. هذا رجل دين يحذّر من فتح طرقات لعبور الفتنة، على أساس أنها شاحنة مسرعة، ورجل سياسي يُطالب بسدّ الطريق
عليها.
هذا كلّه مفهوم إذا ما ذهبنا أبعد في نبش العبارات المستخدمة كثيراً هذه الأيام: فهذا خبر عن تحليق الطيران الإسرائيلي على علّو منخفض! وتلك العبارة لو سمع بها الفنان الإسباني العالمي سلفادور دالي لقرّر رسمها لوحة سوريالية خالدة! فكيف للعلو أن يكون منخفضاً؟
بسيطة. ما هو الاعتداء السافر؟ حقاً ما هو؟ ولماذا نسند إليه صفة السفور؟ هل لأنه لا يراعي أحكام الشريعة ولا يلبس حجاباً؟ طبعاً القصد من الاعتداء السافر، أي الواضح.
لكن لماذا لا نستخدم مصطلح «واضح» بدلاً من «سافر»؟ وماذا عن الجريمة البشعة؟ وهل هناك أصلاً جريمة غير بشعة؟ على الغالب، وعلى سبيل المزاح، إنّ الجريمة البشعة هي التي لم تقرب من عيادة طبيب التجميل. ثم يمكن أحدهم أن يبرّر بشاعة الجريمة بأن الجمال في النهاية هو جمال
الروح!
دعك من الجرائم وأخبرني يا زميلي العزيز عن الغطاء الذي يطالب الجميع برفعه عن المخلّين. ما قصته؟ ولماذا الإصرار على رفعه؟ هل لأن رفعه قد يؤدي إلى إصابة المخلّين بالبرد؟ وعندما نتحدث عن تأمين الغطاء للقوى الأمنية؟ هل هو الغطاء نفسه، يُرفع عن المخلّين ويوضع فوق القوى الأمنية؟ وهل يجوز أن تستخدم تلك القوى والمخلون بالأمن الغطاء نفسه؟
حسناً، تجد أنني أبالغ بعض الشيء؟! هذا صحيح.
لكن المبالغة الأكبر هي في استخدام هذه العبارات من دون التدقيق في معانيها. فهلّا شرحت لي المعنى من استخدام مصطلح «فعاليات البلدة»؟ وما هي هذه الفعاليات؟ ماذا تفعل؟ أو بالأحرى، ماذا تفعلان؟ أنت والفعاليات؟ لا بأس. لا تنزعج من هذه المقالة الصغيرة. اعتبرها «جولة أفق»!