القدس المحتلّ | كأنما إذاعة «صوت إسرائيل» ترّد علينا في صحيفة «الأخبار» على خلفية ما نشرناه الأسبوع الماضي، ما كشف أنّ مقابلات تلك الإذاعة مع بعض الفنانين العرب يجري تسجيلها هاتفياً من دون إعلام الضيوف بأنّهم يتحدثون لـ «صوت إسرائيل ـ باللغة العربية» (الأخبار 14/6/2013). كان الردّ بإعادة بث لقاء سابق (الاثنين الماضي) مع فنان سوري معروف من قلب دمشق! «ياسين بقوش كان ضيفنا قبل سنوات» بادرنا المذيع سليم شحادة، صاحب الصوت الرخيم إياه في برنامجه الرومانتيكي «ساعة بقرب الحبيب».
بعدما هدّج صوته حزناً على «ياسينو»، الشخصية البريئة إلى درجة السذاجة في مسلسل «صح النوم»، وسرد انطباعات عن شخصيته وما يشبه الذكريات عنه، توحي بأن معرفة حميمة تجمع بين المذيع الحزين والفنان الراحل، قام المقدّم بعدها بإعادة بث اللقاء المسجّل مع فنان الكوميديا، الذي سقط ضحية جريمة مروّعة في 24 شباط (فبراير) الماضي قرب مخيم اليرموك (الأخبار 25/2/2013)، وهو في منتصف عقده السابع. بل لم يفت المذيع المخضرم في «دار الإذاعة الإسرائيلية» سليم شحادة أن يكشف لنا في جملة درامية أن بقوش «تعرّض للاغتيال عندما أُقصي عن الشاشة».
اللقاء لا يبدو قديماً ومن خلفية المتصلين ووظائفهم (سليم ضو مدير «مسرح الميدان» في حيفا أيامها)، يمكننا أن نقدّر أنه قد أجري قبل ثلاثة أعوام أو ستة على الأكثر. كان «ياسينو» غاية في الأدب واللطف ومن الواضح أنه لا يعرف أنه يتحدث إلى «إذاعة إسرائيل»، فاسمها لم يُذكر طوال اللقاء على غير العادة. كما أن الراحل عبّر بعفوية أكثر من مرة عن مشاعره نحو الشعب الفلسطيني وشدّد على حتمية انتصاره. بل إن مذيع «صوت إسرائيل» المخضرم راح هو الآخر يستعمل، على غير عادة إذاعته، كلمات مثل «الشعب العربي الفلسطيني»، بل وصف الفنانين الذين استضافهم لـ «يُمسوا» على بقوش بـ «فنانين فلسطينيين»، وهذا ليس قاموس «إذاعة إسرائيل» التي تسميهم «فنانينا المحليين».
من الواضح أن بقوش ظنّ أنه يتحدث عبر الهاتف مع إذاعة عربية في القدس، لكننا نكاد نجزم بأن الفنان السبعيني لا يعرف أن هذه الإذاعة هي «صوت إسرائيل». ياسنيو بدأ اللقاء بتوجيه تحية كبيرة إلى شعب فلسطين ونضاله، وتحدّث في غير مكان عن حتمية انتصار الأمة العربية والشعب الفلسطيني والمؤامرة على تشويه صورة العرب والمسلمين وتشويه فكرهم الإنساني بحسب تعبير هذا الفنان، الذي يصدر عن فطرة وبراءة موجعة. هذا بالطبع ما قد يكون بقي بعد المونتاج وما كان من الصعب حذفه، حيث من المعروف أن «صوت إسرائيل» لا تبثّ أي لقاء مباشرة.
المذيع المخضرم كان يغض الطرف عن هذه الشطحات الوطنية والقومية من ياسينو، ويضحك ضحكة خفيفة ويحاول تغيير الموضوع. من جهة أخرى، كانت سعادته واضحة بأن فناناً سورياً راسخاً في الذاكرة يتحدث في برنامجه، كأنه يظنّ أنّ إعادة بث هذا اللقاء ستحرجنا، وأن هذه اللعبة السمجة ستنطلي علينا. وإن كانت المطربة المغربية كريمة الصقلي قد خرجت لتكشف بأنه جرى خداعها ولم تكن تعلم أن محدثها من إذاعة الاحتلال الإسرائيلي، وأنّ كل ما قالته عن فلسطين جرى حذفه (الأخبار 11/6/2013)، فإن مذيع «صوت إسرائيل» كان مطمئناً إلى أن الفنان الشهيد لن يتمكّن من قول شيء مماثل. كما ترون، حتى إذاعة الاحتلال بائسة ومفضوحة وبحاجة إلى من يشفق عليها.